جديد أسباب غزوة الخندق

'); }

أسباب غزوة الخندق

سبب غزوة الخندق أن يهود بني النضير الذين أجلاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة واستقروا في خيبر؛ غاظهم أن يروا المسلمين في المدينة يعيشون فترة من الاستقرار بعيداً عن مواجهة قريش، فتآمروا مع إخوانهم من يهود خيبر، لينطلق منهم وفدٌ إلى قريشٍ يحرّضوهم على قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- وغزو المدينة، فخرج منهم قرابة العشرين رجلًا من زعاماتهم؛ منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وغيرهم، فانطلقوا إلى مكة، وأخذوا بدعوتهم إلى حرب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووعدوهم بأنهم سيقفون معهم، وفي سبيل ذلك كذب اليهود على الله ليقولوا لقريش بأن دينهم خيرٌ من دين محمد -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله -تعالى- فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلً)،[١] فوافق ذلك العرض شعور قريش بالحاجة إلى استعادة مكانتها وسمعتها بين القبائل، فعزموا على القتال، وانطلق اليهود بعدها إلى غطفان، وبني فزارة، وبني أسد، وبني سليم وأشجع، وغيرهم، ودعوهم إلى القتال، فاستجاب منهم من استجاب، وتحزّب الأحزاب في عشرة آلاف مقاتلٍ بقيادة أبي سفيان بن حرب لغزو المدينة والقضاء على الدين الإسلامي.[٢][٣]

تعريف بغزوة الخندق

كانت غزوة الخندق في شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة، هذه الغزوة التي ابتُلي فيها المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً، إلا أنه كان لها الأثر العظيم في الدعوة الإسلامية ونشر الإسلام إلى الناس،[٤] وسبب تسميتها بغزوة الخندق كان لأجل الخندق الذي حفره المسلمون في تلك الغزوة، والذي أشار إلى حفره سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، وسُمّيت كذلك بغزوة الأحزاب؛ بسبب تحزّب المشركين واجتماعهم لمحاربة المسلمين في المدينة، فقد اجتمع في تلك الغزوة كلّ من قريش، وغطفان، واليهود، وغيرهم،[٥] وقد سُمّيت سورةٌ في القرآن الكريم باسم هذه الغزوة، وهي سورة الأحزاب، وسُمّيت بذلك لورود قصة هذه الغزوة فيها.[٦]

'); }

أهم أحداث غزوة الخندق

سمِع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأحزاب وما يرمون إليه، فأمر بحفر الخندق بعد إشارة سلمان الفارسي -رضي الله عنه- عليه بذلك، وبدأ -صلى الله عليه وسلم- بتشجيع المسلمين على حفر الخندق وترغيبهم بما عند الله، وكذلك لم يتخلّ المنافقون عن دورهم المتواصل في بثّ الخور والضعف بين المسلمين، وبدأ المسلمون بحفر الخندق، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعينهم، وهم يدعون الله، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (لَمَّا كانَ يَوْمُ الأحْزَابِ، وخَنْدَقَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِن تُرَابِ الخَنْدَقِ، حتَّى وارَى عَنِّي الغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وكانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ، وهو يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يقولُ: اللَّهُمَّ لَوْلَا أنْتَ ما اهْتَدَيْنَا… ولَا تَصَدَّقْنَا ولَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا… وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا، إنَّ الأُلَى قدْ بَغَوْا عَلَيْنَا… وإنْ أرَادُوا فِتْنَةً أبيْنَا قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بآخِرِهَا)،[٧] وكان النبيّ يدعو والمسلمون يجيبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقولون: “نحن الذين بايعوا محمداً … على الجهاد ما بقينا أبداً”، وقد جلس الصحابة يحفرون الخندق قرابة العشرين يوماً، وقيل أكثر من ذلك، وقيل أقل، وقد وقع في أثناء حفر الخندق آياتٍ ومعجزاتٍ تدلّ على صدق نبوّته -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك:[٨]

  • بشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتوحات الإسلامية، وتكسيره للصخرة العظيمة، كما في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (لما كان حين أمرنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بحَفْرِ الخَنْدَقِ عَرَضَتْ لنا في بعضِ الخَنْدَقِ صخرةٌ لا نأخذُ فيها المَعَاوِلَ، فاشتَكَيْنا ذلك إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فجاء فأخذ المِعْوَلَ فقال: بسمِ اللهِ، فضرب ضربةً فكسر ثُلُثَها، وقال: اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشامِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصورَها الحُمْرَ الساعةَ، ثم ضرب الثانيةَ فقطع الثلُثَ الآخَرَ فقال: اللهُ أكبرُ، أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ، ثم ضرب الثالثةَ وقال: بسمِ اللهِ، فقطع بَقِيَّةَ الحَجَرِ فقال: اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا الساعةَ).[٩]
  • البركة في الطعام وتكثيره، حيث ذهب جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- لزوجته يسألها عن الطعام الموجود عندهم لإطعام النبي، فأخبرته بوجود القليل من الشعير واللحم، فأمرها بطبخه، وذهب إلى النبيّ وناداه ليأكل، فأمر النبيّ من معه من المهاجرين والأنصار أن يقوموا معه، وذهبوا إلى بيت جابر، فدُهشت امرأة جابر بعددهم لقلّة ما عندها من الطعام، فدخل رسول الله وأخذ يقسّم الخبز على الصحابة حتى وزّع الخبز والطعام عليهم جميعاً لبركته في يديه، وأكلوا جميعاً حتى شبعوا، وزاد طعامٌ كثير، فقال النبي لامرأة جابر: (كُلِي هذا وأَهْدِي، فإنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ).[١٠]

وعندما وصل الأحزاب إلى المدينة أخافهم ما رأوا من حفر الخندق، حيث لم يكن ذلك متعارفاً عليه في جزيرة العرب، وحاول بعض فرسان المشركين تجاوز الخندق إلا أن المسلمين تصدّوا لهم، فانطلق حيي بن أخطب إلى بني قريظة يطلب منهم أن ينقضوا عهدهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويمكّنوا المشركين من دخول المدينة من ناحيتهم، فنقضت بنو قريظة العهد، فاشتدّ ذلك على المسلمين، وبلغ بهم الخوف مبلغه، وعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأنصار أن يُصالح بني قريظة على ثلث ثمار المدينة، إلا أنهم لم يرضوا أن يذلّوا لأعدائهم. ثم إن الله -عز وجل- يسّر لنبيّه نعيم بن مسعود -رضي الله عنه-، فجاءه وأخبره بإسلامه وأنّ قومه لا يعلمون ذلك، وأن بني قريظة يثقون به -أي بنعيم- ويسمعون له، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: “مرني بما شئت”، فقال له -صلى الله عليه وسلم- أن يحاول دفع الأعداء عنهم، فالحرب خدعة. [١١]

واستطاع نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- أن يزرع الفتنة بين الأحزاب وبين بني قريظة، وأن ينزع الثقة من بينهم، ومكث المشركون أياماً حتى أرسل الله عليهم ريحاً شديدة باردة قلعت خيامهم، وقلبت قدورهم، ليضطروا حينها أن يرجعوا إلى ديارهم، وينقلبوا على أدبارهم خائبين خاسرين، ويحظى المسلمون بالنصر، ويعزّ الله دينه ونبيّه، ونزل قول الحق -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا* إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).[١٢][١١]

المراجع

  1. سورة النساء، آية: 51.
  2. منير محمد الغضبان (1992)، فقه السيرة النبوية (الطبعة الثانية)، مكة المكرمة: جامعة أم القرى، صفحة 483/485. بتصرّف.
  3. أحمد غلوش (2004)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 421/422. بتصرّف.
  4. أبو الحسن الندوي (1425)، كتاب السيرة النبوية (الطبعة الثانية عشر)، دمشق: دار ابن كثير ، صفحة 345. بتصرّف.
  5. محمد عبدالباقي الزرقاني (1996)، كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 17/18، جزء 3. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 187، جزء 2. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 4106 ، صحيح، متفق عليه.
  8. محمد عبدالباقي الزرقاني (1996)، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 23-34، جزء 3. بتصرّف.
  9. رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 458/7، إسناده حسن.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 4101، صحيح.
  11. ^ أ ب مصطفى السباعي (1985)، كتاب السيرة النبوية – دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 89-90. بتصرّف.
  12. سورة الأحزاب، آية: 9-11.
Exit mobile version