محتويات
'); }
أحسن الصحابة قراءة للقرآن
أَحسنُ الصحابة قراءةً للقرآن الكريم هو الصحابيّ الجليل أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه-، وكان اصطفاؤه لهذه المرتبة ربّانياً توفيقياً من عند الله -عز وجل-؛ إذ أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه-: (إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ أقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} قالَ: وسَمَّانِي؟ قالَ: نَعَمْ، فَبَكَى)،[١] وإن مما لا شك فيه أن الصحابة جميعهم مميّزون بنصرِهم لنبي الله -صلى الله عليه وسلم-، إلّا أن أُبيّاً -رضي الله عنه- كان من القلّة الذين سمّاهم الله، وليس هذا بالشيء اليسير،[٢] فقد نال أبي بن كعب -رضي الله عنه- هذا الشرف لِما أفناه من جهدٍ في تعلّم علوم الكتاب الكريم والحرصِ على تبليغه للناس، ليضع بين أيدينا أنموذجاً فذّاً وفردياً في التفوّق والتفاني يشهد له بذلك كل من عاصره.[٣]
فقد تَقَدّمَ أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- في قراءة القرآن، وكان من أوائل كَتَبَةِ الوحي في المدينة وأشهرهم، كما تميّز في حفظه للقرآن وفهمه للآيات و ترتيلها، حتى اكتسبَ مرتبةً رفيعة بين الصحابة وقُرباً ملحوظاً من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- يشيد به و يقدّمه على القرّاء، ومما أخرجه الترمذي في سنَنِهِ قوله -صلى الله عليه وسلم- عن الصحابة: (أَقْرَؤُهُمْ لِكتابِ اللهِ: أُبَيُّ بْنُ كعبٍ)،[٤] وإنّه ليُشاع صيته في المدينة حتى شهدوا له فيها على ذلك؛ فهذا ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: (أقْرَؤُنَا أُبَيٌّ).[٥][٦]
ولمّا كانت له هذه المكانة العالية في علم القرآن، وملازمته للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإحاطته بأسباب النزول، وعلون القرآن الأخرى؛ اعتُبر أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- من الصحابة المكثرين من التفسير، المعتمد عليهم في فهم كتاب الله و شرح معانيه، حتى أنّه كثُرت وتعدّدت طرق الرواية عنه في التفاسير، وكان من أصحّها:[٧]
'); }
- الطريق الأول: طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه-.
- الطريق الثاني: طريق وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الفضيل بن أُبيّ بن كعب عن أبيه -رضي الله عنهما-.
التعريف بأُبيّ بن كعب رضي الله عنه
أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- صحابيٌّ جليل، وفيما يأتي نبذة وتعريف به:
- اسمه: هو أُبَيّ بِن كَعب بِن قيس بِن عبيد بِن زيد بِن معاوية بِن عمرو بِن مالك بِن النجار.[٨]
- كنيته ولقبه: يكّنّى بأَبي المنذر وأَبي الطفيل، ويلقّبُ بسيّدِ القُرّاء.[٨]
- نَسَبُه: ينتمى أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- لقبيلة الخزرج من المدينة المنورة.[٨]
- صفاته الخَلقِية: كان أبيضَ الرأسِ واللّحية، وكان مَربوعاً؛ أي متوسط الطول، ليس بالرجل الطويل ولا بالقصير.[٩]
- إسلامه: أسلم أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- قبل هجرة النّبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وكان من الأنصار الذين شَهِدوا بيعة العقبة الثانية، وبايع فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الثاني عشر من بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد آخى الرسول بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل -رضي الله عنه- بعد الهجرة.[١٠]
- غزواته: جاهد أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- في غزوة بدر وما بعدها حتّى وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.[٨]
- أبرز مميزاته: يُعتَبَرُ أبيّ بن كعب -رضي الله عنه- أحسنُ الصحابة قراءةً للقرآن، فهو قارئٌ للقرآن، حافظٌ له، مُلِمٌّ بمعانيه، لازَمَ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، و أخذ عنه من العلم الكثير؛ حتّى باتَ نِبراساً للصحابة من بعده يسألونه ويطلبون العلم من عنده، كما أنه جمع القرآن الكريم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ما لم يقدر عليه سوا أربعةً من الصحابة جميعهم من الأنصار.[٩]
- وفاته: اختُلِفَ في وقت وفاته -رضي الله عنه- على قولين: الأول: أنه توفيَّ سنة اثنتين وعشرين (22هـ) في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- و الثاني: أنه توفيَّ في سنة ثلاثين (30هـ) في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ولا نعلم مُرَجّحاً لأحد القولين إلّا أن أثبت الأقوال أنه توفيّ في خلافة عثمان -رضي الله عنه-، والله أعلم.[١١]
فضل أُبيّ بن كعب رضي الله عنه
تَمَيُّز أُبيّ بن كعب كصحابيّ ومسلم
شهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لصاحبته بالخيريّة، والفضل العظيم، وتفرّد كل واحدٍ من الصحابة بمميزات وفضائل عظيمة، ومن هؤلاء أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه-، الذي بذل نفسه في سبيل رضا الله -سبحانه- ومحبّة رسول الله، وتمسّك بالقرآن واهتدى به، فحاز على الخير العظيم؛ من خلال كتابة القرآن وجمعه وإتقان تلاوته ثم بإيصاله لمن بعدهم، إذ أمضى -رضي الله عنه- ليله ونهاره يتدارسُ علومَ القرآنِ، فصبغت حياته بصبغته، فكان -رضي الله عنه- تقيّاً وَرِعاً،[٣] وزاهداً عابداً مُدرِكاً لمهمته فلم يُعْلَم عنه أنه قدّم نافلةً على حاجة الناس قط.[١٢]
كما يُذكَرُ له حادثٌ في الأثر يرويه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-، أنه وأُبيّ بن كعب -رضي الله عنهما-، خرجا في مسيرٍ مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكانا في مؤخّرة القوم، حتى إذا أصاب القومَ مطرٌ دعا أُبيّ الله -عز وجل- فقال: “اللّهم اِصرف عنا أذاها”، فصرف الله عنهم المطر ولحقوا القوم وليس بهم منه شيء، حتّى إن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليعجَبُ من حالهما ويُعاتبهما قائلاً: (ألا دعوتم لنا معكم)،[١٣] وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على تقوى أُبيّ بن كعب و قربه من الله -عزّ وجل-.[١٢]
إنجازات أبي بن كعب في الإسلام
لمّا كان لأُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- ما ذُكِرَ سابقاً من تفوقٍ و كفاءة، حَظِيَ أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- بشرف تَلقّي القرآن بين يديّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان أوّلَ من كتب له في المدينة؛ أي كتب الآيات التي تنزّلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما أنه حدّثَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مئة وأربعة وستون (164) حديثاً،[١٤] كان منها ما أُورِدَ في الكتب الستة.[١٥]
وممن رَوَوا عنه من الصحابة -رضوان الله عليهم-: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ثاني الخلفاء الراشدين وأمير المؤمنين،[١٤] و كان يُرسِلُ في طلبه ليأخذ مشورته ويتحاكم إليه، حتّى إنّه ليصرّح عنه في المجلس أمام الصحابة، فيقول -رضي الله عنه-: (أُبيّ سيد المسلمين)،[١٦] وإنما يدلّ هذا على غزارةِ علمه -رضي الله عنه- و كفاءته وثقة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- به كما ذكرنا سابقاً، كما روى عنه آخرون من الصحابة الكرام منهم: أبو أيّوب، وعبادة بن الصامت، وسهل بن سعد، وأبو هريرة، وأنس، وغيرهم.[١٧]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4959، صحيح.
- ↑ الخطّابي (1988م)، كتاب أعلام الحديث (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: جامعة أم القرى، صفحة 1940، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب صفوان داوودي (1994م)، أعلام المسلمين (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 8-9، جزء 48. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3791، حسن صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4481، صحيح.
- ↑ خالد محمد خالد (2000م)، رجال حول الرسول (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر للطباعة، صفحة 364. بتصرّف.
- ↑ “أُبيُّ بن كعب رضي الله عنه أقرؤهم لكتاب الله”، www.islamweb.net، 12/10/2016، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ابن كثير (2003م)، البداية والنهاية (الطبعة الأولى)، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 87، جزء 10. بتصرّف.
- ^ أ ب شمس الدين الذهبي (1985م)، سير أعلام النبلاء (الطبعة الثالثة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 290-291، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ “أبي بن كعب”، www.islamstory.com، 1-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 25-1-2021. بتصرّف.
- ↑ أبو عبد الله الحاكم (1990م)، المستدرك على الصحيحين (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 341، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب المتقي الهندي (1981م)، كنز العمال (الطبعة الخامسة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 264-265، جزء 13. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1/398، رجاله ثقات.
- ^ أ ب محمد الخضر الشنقيطي (1995م)، كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 217-218، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية www.islamweb.net، صفحة 15، جزء 176. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين الذهبي (1993م)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 194، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد الخضر الشنقيطي (1995م)، كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 217-218، جزء 3. بتصرّف.