محتويات
أجمل قصص الرسول مع أصحابه
اسْتَوِ يَا سَوَادُ
تتحدَّث هذه الواقعة عن الصحابيِّ سوادِ بن غَزِيَّةَ الأنصاريِّ يوم بدرٍ، حيث كان النَّبيُّ -عليه الصلاة والسلام- يتفقَّد المُقاتلين ويُسوِّي الصُّفوف، وكان سوادُ مُتقدِّماً خطوةً عن باقي الجُند، ممّا جعل الصَّف غير مستوٍ، فأرجعه النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى الوراء بواسطة سهمٍ بلا نصلٍ كان يحمله ويسوِّي به الصُّفوف، فقال سواد للرَّسول إنّه أوجعه ويريد أن يقتصَّ منه.[١]
ولم تُغضب هذه الشَّكوى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، بل على العكس قَبِل القصاص وكشف عن بطنه وأمر سواداً بأن يأخذ حقّه فيضربه بالسَّهم كما فعل له، وإذا بسوادٍ يُقبِل على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ويُقبِّل بطنه الشَّريفة! فعجب النَّبيُّ من فعله وسأله لِم صنع ذلك، فأخبر سوادٌ -رضي الله عنه- رسول الله أنّ وقت الحرب والقتال قد حلَّ، فأراد أن يكون آخر عهدٍ له في هذه الدنيا هو أن يمسَّ جلدُه جلدَه -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فدعا له رسول الله بالخير.[٢]
وقد وردت هذه الحادثة في السنة النبوية بإسنادٍ حسنٍ؛ إذ ثبت: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عدَّلَ صفوفَ أصحابِه يومَ بدرٍ وفي يدِه قدحٌ يعدِّلُ به القومَ، فمرَّ بسوادِ بنِ غَزيَّةَ حليفَ بني عدي بنِ النَّجارِ وهو مُسْتنتِلٌ من الصفِّ، فطعن في بطنِه بالقدحِ، وقال: استوِ يا سوادُ، فقال: يا رسولَ اللهِ أوجَعْتَني، وقد بعثك اللهُ بالحقِّ والعدلِ فأقِدْني، قال: فكشف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن بطنِه وقال: استقِدْ، قال: فاعتنقَه فقبَّل بطنَه، فقال: ما حملكَ على هذا يا سوادُ، قال: يا رسولَ اللهِ، حضَر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخرُ العهدِ بك أن يمَسَّ جلدي جلدَك، فدعا له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بخيرٍ، وقال له: استوِ يا سوادُ).[٣][١]
والعبرة المُستفادة من هذه الحادثة هي تسليط الضَّوء على ضرورة ترابط وتواضع قائد الجيش مع جنوده كما فعل رسول الله -عليه السلام- مع الصَّحابي سوادٍ -رضي الله عنه-، وضرورة تحلِّي القائد بالعدل والأخلاق الحميدة؛ كالحلم، والتَّسامح، وضبط النَّفس تجاه الجنود الآخرين.[١]
لكنك عند الله غالٍ
كان الصَّحابي زاهر الأسلميُّ -رضي الله عنه- أعرابيّاً كلَّما قدم إلى المدينة أحضر الهدايا من البادية لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، كما كان الرسول أيضاً يُهدي له ويقول فيه: (زاهِرٌ بادِيَتُنا ونحنُ حاضِرَتُه).[٤] وفي يومٍ كان زاهرٌ في السُّوق، فرآه رسول الله ولم ينتبه زاهرٌ له، فأتى النبي من خلفه بخفَّةٍ وأمسكه من الخلف واحتضنه وقال -عليه السلام-: (من يشتري هذا العبد)؟[٥] فالتفت زاهرٌ فإذا به رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُمازحه.[٦]
فألصق زاهرٌ ظهره بصدر النَّبيِّ وسأله: أتجدني كاسداً يا رسول الله؟ أي قليل السِّعر؛ مُعتقداً ذلك بسبب قُبح شكله، فأجابه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنّه غالٍ عند الله -تعالى-، فقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- هذه القصة فيقول: (فأتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يبيعُ متاعَه فاحتضَنه مِن خلْفِه والرَّجُلُ لا يُبصِرُه فقال: أرسِلْني، مَن هذا؟ فالتفَت إليه فلمَّا عرَف أنَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعَل يُلزِقُ ظهرَه بصدرِه فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن يشتري هذا العبدَ؟ فقال زاهرٌ: تجِدُني يا رسولَ اللهِ كاسدًا قال: لكنَّك عندَ اللهِ لَسْتَ بكاسدٍ أو قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أنتَ عندَ اللهِ غَالٍ).[٥][٧]
لقد كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُحبُّ ممازحة أصحابه وإدخال البسمة على قلوبهم، وقد وُصف رسول الله بالبشاشة وكثرة التَّبسُّم واللُّطف، وقد أخرج الإمام الترمذيُّ -رحمه الله- في سننه عن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (ما رأيتُ أحدًا أكثرَ تَبَسُّمًا من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم)،[٨] وكان -عليه الصلاة والسلام- رغم المُزاح لا يقول إلا صدقاً، فقوله: (من يشتري العبد)؟ كان مُزاحاً فيه حقيقةٌ؛ وهي أنّ الجميع عباد الله -تعالى-.[٦]
هذا عرقك، نجعله في طيبنا، وإنه أطيب الطيب
قصد النَّبيُّ -عليه الصلاة والسلام- ذات نهارٍ بيت أنس بن مالك -رضي الله عنه- وقد استراح نائماً وقت قيلولة الظُّهر، فإذا به -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتعرَّق في نومه، فقدمت أمُّ أنس -رضي الله عنها- بقارورةٍ تحملها لتجمع من عرق جبينه -عليه السلام-، ولما استيقظ النَّبيُّ -عليه السلام- سألها عن صنيعها هذا، فأخبرته بأنّهم يضعون هذا العرق في طِيبهم، وإنّه أطيب الطِّيب.[٩]
وقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- هذه الحادثة في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (دَخَلَ عَلَيْنَا النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ العَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا أُمَّ سُلَيْمٍ ما هذا الذي تَصْنَعِينَ؟ قالَتْ: هذا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ في طِيبِنَا، وَهو مِن أَطْيَبِ الطِّيبِ).[١٠] ولم يكن عرق رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كباقي البشر، بل كان يمتاز برائحةٍ عطرةٍ كرائحة المسك.[٩]
ما بالك باثنين الله ثالثهما
هاجر رسول الله مع صاحبه أبي بكرٍ -رضي الله عنه- عندما أذن الله -تعالى- له بالهجرة، فلمّا سمعت قريش بذلك بدأت بمُلاحقتهما، فاختبأ النَّبيُّ وأبو بكرٍ في الغار، وكان الله -تعالى- قد هيَّأ لهما المكوث فيه حِرصاً على عدم اقتراب المُشركين منهما، إلّا أنّ أبا بكرٍ روادته مشاعر الخوف، فأخبر النَّبيَّ بأنّه لو نظر أحدٌ إلى الأسفل لرآهما.[١١]
إلّا أنّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- طمأنه وقال له: (ما ظنّك باثنين الله ثالثهما)؟[١٢] فارتاح أبو بكرٍ لكلام رسول الله، ومكثا في الغار ثلاثة أيّامٍ، ثمّ أكملا مسيرهما إلى المدينة المنورة. وقد روى أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- ما حصل قائلاً: (كُنْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الغَارِ فَرَأَيْتُ آثَارَ المُشْرِكِينَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لو أنَّ أحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا، قالَ: ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا).[١٢][١١]
الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم
تتعدَّد الأسباب الجالبة لمحبَّة النَّبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، وبيان بعضها فيما يأتي:[١٣]
- الحرص على اتّباع ما أمرنا به رسول الله والابتعاد عمّا نهانا عنه؛ فطاعة رسول الله من طاعة الله -تعالى-، وقد بيّن ذلك الله -تعالى- في القرآن الكريم بقوله: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا).[١٤]
- الإكثار من الصلاة على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما أمرنا الله -تعالى- بقوله: (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).[١٥]
- حبُّ النَّبيِّ -عليه السلام- وحبُّ من يحبُّه وبُغض ما يبغضه، والشَّوق لمُلاقاته بالآخرة، والحرص على نيل القُرب من منزلته في الجنة.
- احترامه -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى بعد وفاته، ويكون ذلك بخفض الصَّوت عند قبره، وتوقيره وتعظيمه عند ذكر سيرته.
- حبُّ آل البيت والحرص على احترامهم عند ذكرهم، فقد قال الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن الحسن بن فاطمة الزَّهراء -رضي الله عنهما-: (اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ، فأحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَن يُحِبُّهُ).[١٦]
- تعظيم شعائر الله -تعالى- والمواظبة عليها، وفعلها حبّاً لله -تعالى- وطمعاً بنيل رضاه وجنّته.[١٧]
- استذكار واستشعار سيرة النَّبيِّ -عليه السلام- بكلِّ أمور حياتنا، وتعليمها للأطفال وزرعها في قلوبهم من الصِّغر.[١٧]
- الاقتداء بالرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- من خلال الالتزام والمداومة على سُننه من أفعالٍ وأقوالٍ، والتَّخلُّق بأخلاقه وصفاته،[١٧] قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)،[١٨] بالإضافة إلى الدِّفاع عنه وعن سنَّنه.
- تقديم كلام رسول الله على أيِّ كلامٍ آخر، واتّباعه بجميع الأمور التي لفت النَّظر إليها وحثَّنا على فعلها، قال -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).[١٩][٢٠]
- الدعاء لرسول الله والمواظبة على ذلك، وقد كان أصحابه -رضوان الله عليهم- يحرصون على الإكثار من الدعاء للنَّبيِّ، فعن أُبيِّ بن كعبٍ -رضي الله عنه- قال: (يا رسولَ اللهِ، إِنَّي أُكْثِرُ الصلاةَ عليْكَ، فكم أجعَلُ لكَ من صلاتِي؟ فقال: ما شِئْتَ، قال: قلتُ: الربعَ؟ قال: ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ، قلتُ: النصفَ؟ قال: ما شئتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ، قال: قلْتُ: فالثلثينِ؟ قال: ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ، قلتُ: أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها؟ قال: إذًا تُكْفَى همَّكَ ويغفرْ لكَ ذنبُكَ).[٢١][٢٠]
- تقديم محبَّة الرسول -عليه السلام- على جميع المخلوقات؛ إذ يجب على العبد أن يحرص على حبِّ النَّبيِّ أكثر من أمه وأبيه وزوجه وأولاده ونفسه، قال -تعالى-: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ).[٢٢][٢٣]
المراجع
- ^ أ ب ت راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 9، جزء 21. بتصرّف.
- ↑ ابن الأثير (1994)، أسد الغابة في معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 590، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أشياخ من قوم حبان بن واسع، الصفحة أو الرقم: 6/808، حسن إن شاء الله.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في الإصابة في تمييز الصحابة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1/542، صحيح.
- ^ أ ب رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5790، أخرجه في صحيحه.
- ^ أ ب سلمان العودة، دروس للشيخ سلمان العودة، صفحة 8، جزء 201. بتصرّف.
- ↑ محمد المقدم، دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم، صفحة 18، جزء 97. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 3641، حسن غريب.
- ^ أ ب محمد المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 19، جزء 156. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2331، صحيح.
- ^ أ ب عطية سالم، دروس الهجرة، صفحة 2، جزء 6. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 4663، صحيح.
- ↑ محمد المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 8-15، جزء 156. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 80.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 56.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2421، صحيح.
- ^ أ ب ت علي بادحدح، دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح، صفحة 15-19، جزء 62. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 21.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
- ^ أ ب عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 11-16، جزء 203. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 2457، حسن صحيح.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 6.
- ↑ ابن رجب الحنبلي (1996م)، فتح الباري شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية – المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 49، جزء 1. بتصرّف.