أشعار منوعة

أجمل قصائد أبو القاسم الشابي

إني أرى، فأرى جموعا جمة

إني أرى، فَأرَى جُمُوعاً جَمَّة ً

لكنّها تحيا بِلاَ ألْبابِ

يَدْوِي حوالَيْها الزَّمانُ، كأنَّما

يدوي حوالَي جندلٍ وترابِ

وإذا استجَابُوا للزمانِ تَنَاكروا

وَتَرَاشَقُوا بالشَّوكِ والأحْصَابِ

وقضَوا على رُوح الأخوَّة ِ بينهم

جَهلاً وعاشُوا عِيشة َ الأَغرابِ

فرِحتْ بهم غولُ التّعاسة ِ والفَنَا

وَمَطَامِعُ السّلاَّب والغَلاّبِ

لُعَبٌ، تُحرِّكُها المَطامعُ، واللّهى

وصَغائِرُ الأحقادِ والآرابِ

وأرى نفوساً، مِنْ دُخانٍ، جامدٍ

مَيْتٍ، كأشباحٍ، وراءَ ضَبَابِ

مَوتى ، نَسُوا شَوقَ الحياة ِ وعزمَها

وتحرَّكوا كتحرُّكِ الأنصابِ

وخبَا بهمْ لَهَبُ الوجودِ، فما بقُوا

إلاَّ كمحترِقٍ من الأخشابِ

لا قلبَ يقتحمُ الحياة َ، ولا حِجَى ً

يسمُو سُمُوَّ الطَّائر الجوَّابِ

بلْ في الترابِ المَيتِ، في حَزن الثَّرى

تنمو مَشَاعِرُهُمْ مع الأَعشابِ

وتموتُ خاملة ً، كَزَهرٍ بائسٍ

ينمو ويذبُل في ظَلامِ الغَابِ

أبداً تُحدِّقُ في التراب..، ولا تَرَى

نورَ السماءِ..، فروحُها كتُرابِ..!

الشَّاعرُ الموهوبُ يَهْرِق فنَّه

هدراً على الأَقْدامِ والأَعْتابِ

ويعيشُ في كونٍ، عقيمٍ، ميِّتٍ

قَدْ شيَّدتْهُ غباوة ُ الأَحقَابِ

والعاِلِمُ النِّحريرُ يُنفقُ عُمره

في فهمِ ألفاظٍ، ودرسِ كتابِ

يَحيا على رِمَمِ القديم المُجتَوَى

كالدُّود في حِمَمِ الرَّماد الخابي

والشَّعبُ بينهما قطيعٌ، ضَائعٌ

دُنياه دنيا مأكلٍ وشرابِ

الوَيلُ للحسَّاسِ في دُنياهمُ

ماذا يُلاقي من أَسَى ّ وعَذِابِ![١]

تسائلني ما لي سكت ولم أهب

يقول أبو القاسم الشابي:

تُسائلني مَا لي سَكَتُّ ولم أُهِب

بقومي وديجورُ المصائبِ مُظْلِمُ

وسَيْلُ الرَّزايا جارفٌ متدفّعٌ

غضوبٌ ووجهُ الدَّهرِ أربدُ أَقتَمُ

سَكَتُّ وقد كانت قناتي غضَّةً

تُصيخُ إلى هَمْسِ النَّسيم وتحلُمُ

وقلتُ وقد أصغت إلى الرِّيحِ مرَّةً

فجاشَ بها إعصارُهُ المتهزِّمُ

وقلتُ وقد جاشَ القريضُ بخاطري

كما جاشَ صخَّابُ الأَواذي أَسْحَمُ

أرى المجدَ معصوبَ الجبين مجدَّلاً

على حَسَكِ الآلام يغمرهُ الدَّمُ

وقد كانَ وضَّاحَ الأَساريرِ باسماً

يهبُّ إلى الجلَّى ولا يَتَبَرّمُ

فيا أَيُّها الظُّلْمُ المصعِّرُ خَدَّهُ

رويدكَ إنَّ الدَّهْرَ يبني ويهدُمُ

سيثأرُ للعزِّ المحطّم تاجُهُ

رجالٌ إِذا جاشَ الرَّدى فهُمُ هُمُ

رجالٌ يَرَوْنَ الذُّلَّ عاراً وسُبَّةً

ولا يرْهبون الموتَ والموتُ مقدمُ

وهل تعتلي إلاَّ نُفُوسٌ أَبيَّةٌ

تصدِّع أَغلالَ الهوانِ وتحطِمُ[٢]

المراجع

  1. أحمد حسن بسج، ديوان أبي القاسم الشابي، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 35-36.
  2. أبو القاسم الشابي، “تسائلني ما لي سكت ولم أهب”، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-21.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى