معتقدات إسلامية

مفهوم الإيمان بالغيب

تعريف الإيمان الغيب

إن الإيمان بالغيب يعني التصديق بالأمور الغيبية التي لا تُدرك بالحواس، وإنما نعلمها بخبر الوحي المرسل للأنبياء، وأن الله -عز وجل- عالمٌ بكل ما خفي وبكل ما سيحدث،[١] وقد بيّن العلماء المقصود بالغيب في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • الغيب لغةً: مصدر الفعل غَابَ، والجمع منه غيوب وغياب، ويضاده الحاضر، والمُشاهد، فيُطلق الغيب على كلّ أمرٍ غُيّب عن الإنسان، سواءً تحقّق في القلب أم لا، فيقال: الأمر في عالم الغيب؛ أي أنّ رؤيته غير ممكنةٍ، وقد تحقّق الجهل به.[٢]
  • الغيب شرعاً: ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد دلّ وروده في القرآن على كلّ ما غاب عن الحواسّ؛ فالغيب كلّ أمرٍ لا يعلمه إلّا الله، وتمّ ذكره في ستةٍ وخمسين موضعاً للدلالة على عدّة معانٍ، وذُكر في السنة النبوية مقروناً بالعلم؛ للدلالة على عدم التناقض بينهما، وللإشارة إلى أنّ الإيمان بالغيب لا بدّ أن يكون متحقّقاً بالقلب، وصولاً به إلى درجة العلم، فالعلم الحقيقي هو العلم بالغيب، وبالمجمل فإنّ الغيب في السنة النبوية دلّ على العلم بالمستقبل الذي استأثر بعلمه الله وحده، وهو الدالّ على خشية العبد وخوفه من الله، وفيما يأتي بيان المواضع التي ذُكر بها الغيب في القرآن والسنة:[٣]
    • قال الله -سبحانه-: (أَطَّلَعَ الغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمـنِ عَهدًا)،[٤] بمعنى كلّ ما غاب عن الحواس.
    • قال -تعالى-: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)،[٥] دلالةً على أنّ الله وحده عالم الغيب.
    • قال -تعالى-: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)؛[٦] أي الأخبار والأحداث والقصص الماضية التي غابت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
    • قال -تعالى-: (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)،[٧] ويُراد بالغيب هنا: ما انفرد بعلمه الله وحده، ولم يُطلع عليه أحداً غيره.
    • قال -تعالى-: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ)،[٨] أي أنّ المؤمنات هنّ من يحفظن أنفسهنّ في غياب أزواجهنّ.
    • قال -تعالى-: (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ)،[٩] فقد ذُكر الغيب في الآية السابقة كصفةٍ للمؤمنين الذين يخشون الله، ويخافون منه في جميع الأحوال.
    • قال الله -تعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنون)،[١٠] دلالةً على نفي علم الرسول للغيب.
    • قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ)،[١١] إشارةً إلى أنّ للغيب مفاتح لا يعلمها إلّا الله، وقد ثبتت بصحيح السنّة النبوية، إذ روى الإمام البخاري في صحيحه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ).[١٢]
    • قال -عليه السلام-: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا).[١٣]
    • قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصَارَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، {وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وحْيًا أوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}، ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}).[١٤]
    • كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو ربّه قائلاً: (اللَّهمَّ بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخَلْقِ، أحيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك خشيتَك في الغيبِ والشَّهادةِ).[١٥]

والمغيّبات التي نصّ الدليل عليها، والتي لا بدّ من الإيمان بها، هي: الملائكة، والجِنّ، والكتب، والرُّسل، واليوم الآخر بما فيه من حسابٍ، و ما بعده من ثوابٍ أو عقابٍ، وما قدّره الله -سبحانه-، وكلّ ما ذُكر في القرآن من أمورٍ غيبيةٍ؛ كخلق الإنسان والسماوات والأرض.[١٦]

حقيقة الإيمان بالغيب

معلوم أنّ العقيدة الإسلامية تقوم على أركانٍ ستة، وقد تعدّد مواضع ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك قوله سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[١٧] ويُعرّف الإيمان بأنّه التصديق بالأمور الغيبية؛ فذات الله غيبٌ، وملائكته غيبٌ، وكُتبه غيبٌ، ورُسله غيبٌ، والآخرة غيبٌ، والقدر غيبٌ، وقد بيّن الله -سبحانه- لعباده في كتابه الكريم ما يحتاجون لمعرفته من أمور الغيب، وأخفى عنهم غيرها، واختصّ -سبحانه- دون غيره بالعلم المطلق للغيب.[١٨][١٩]

وحقيقة الإيمان تقوم على ثلاثة أسس؛ قولٌ باللسان، وإقرارٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح؛ فكلما زادت معرفة المسلم لربّه ولأركان الإيمان استقرّ الإيمان في قلبه ووصل لحقيقة الإيمان؛ فتزيد همّته في سبيل الدعوة وإقامة الشرائع والعبادات والاجتهاد في بذل كلّ ما يستطيع لتحقيق ذلك.[٢٠]

للمزيد من التفاصيل عن أركان الإيمان الاطّلاع على مقالة: ((ما هي أركان الإيمان)).

أنواع الغيب

ينقسم الغيب إلى نوعين؛ هما:[٢١]

  • النوع الأول: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، متعلقاً بزمانٍ ووقتٍ معينٍ، سواءً كان من أخبار الماضي، مثلا: أخبار الأنبياء المؤكّد صدقها، أو أخبار المستقبل، مثل: أشراط الساعة.
  • النوع الثاني: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، ولا يتعلّق بحياة البشر، وهذا النوع على صنفين:
    • الغيبيات الكونية؛ التي لا توجد بينها وبين الإنسان علاقةٌ مباشرةٌ، وهذا النوع من الغيب خارج نطاق إدراك الإنسان، مثل: أخبار السماوات وأخبار العرش والكرسي.
    • الغيبيات التي لها صِلةٌ مباشرةٌ باليوم الآخر، وهي كلّ غيبٍ غائبٍ عن إدراك الإنسان.

خصائص الغيب

يختصّ علم الغيب بعددٍ من الأمور؛ بيانها فيما يأتي:[٢٢]

  • اختصّ الله -سبحانه- بعلمه دون من سواه، فلا أحد يستطيع الوصول إلى علم الغيب المطلق مهما بلغت منزلته، قال -تعالى-: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ).[٢٣]
  • لا يطّلع عليه أحدٌ إلّا مَن ارتضى الله له الاطّلاع من رُسله، ويكون اطّلاعهم بأمرٍ من الله، وبقدرته لا بقدرتهم الخاصة ولا بجهدهم، فذلك اصطفاءٌ من الله لهم بمعرفة جزءٍ من الغيب لا بمطلقه، قال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا).[٢٤]
  • لا يطّلع عليه جنٌّ ولا مَلكٌ، بدليل قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).[٢٥]
  • لا يعدّ علم الغيب من ضرورات الخلافة في الأرض، ولو كان كذلك لأخبر الله به عباده، والجزء البسيط المهم من الغيب نصّ عليه الله -سبحانه- في القرآن الكريم، وثبت بما صحّ من أخبار الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أهمية الإيمان بالغيب

اعتبر العلماء أنّ الإيمان بالغيب ركن التقوى، وتتحقّق التقوى بالإيمان بستة أمورٍ؛ الله، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وخير القدر وشرّه،[١٨] وحتى يصل الإنسان إلى الإيمان؛ لا بد من تصديقه لكلّ غيبٍ ورد بالدليل، فالتصديق به أمرٌ واجبٌ، لا بدّ من تحقّقه؛ إذ إنّ تصديقة بُني على دليلٍ،[٢٦] والإيمان بالغيب يقود المؤمن إلى التّفكر والاستدلال؛ فيكون ذلك سبباً في تحصيل العلم بصفات الله -سبحانه- والعلم بالآخرة وغيرها من المغيّبات التي نصّ عليها الدليل؛ فيستحقّ المؤمن بسبب ذلك ثناء المولى عزّ وجلّ،[٢٧] والإيمان بالغيب ضرورةٌ عقليّةٌ؛ لأنّ الإنسان أدرك أنّ حواسه الخمسة محدودةٌ، لا تستطيع إدراك كلّ ما في الوجود، كما أنّها تختلف لدى الأشخاص، وعدم الإدراك للشيء لا يعني عدم وجوده، فعقل الإنسان قاصرٌ ومحدودٌ، والإيمان لا يكون بالإدراك وحده؛ وإنّما بالتصديق القلبي لما نُقل بالأدلة الشرعية الصحيحة، ولذلك لم يكن العقل الوسيلة الوحيدة لإدراك وجود الله -سبحانه-، بل الفطرة والشعور الداخلي يحقّقان ذلك.[٢٨]

أقسام الغيب

قسّم العلماء الغيب إلى قسمين؛ حسب إمكانية الوصول إليه وإدراكه، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢٩][٣٠]

  • الغيب المطلق: وهو الغيب الذي لا يعلمه إلّا الله، كما أخبرت بذلك السيدة عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الصحيح، فقالت: (ومَن زَعَمَ أنَّه يُخْبِرُ بما يَكونُ في غَدٍ، فقَدْ أعْظَمَ علَى اللهِ الفِرْيَةَ)،[٣١] وهذا القسم لا يُمكن إدراكه بالحواسّ، ولا إحاطته بالعقل، ولا الوصول إليه بالخيال؛ كصفات الله.
  • الغيب النسبي: فهو الغيب الذي يعلمه بعض الخلق دون البعض، فلا يختصّ الله -عزّ وجلّ- بعلمه، وهو يسمّى غيباً بالنسبة للذي يجهله، أمّا لغيره فهو معلومٌ، وهذا النوع من الغيب يمكن الوصول إليه بالوحي، فالغيب النسبي ينقسم إلى قسمين، هما:
    • قسمٌ لم يُدركه بعض البشر، ولكن أدركه البعض الآخر، مثل: قصص الأنبياء السابقين؛ كقصة يوسف -عليه السلام-.
    • قسمٌ لم يدركه البشر، وإن كان من الممكن عقلاً إدراكه إن وُجدوا حين وقوعه؛ كأخبار بداية الحياة البشرية، فلم يدرك الإنسان تلك الأمور إلّا ما ورد بطريق الوحي.

وينقسم الغيب حسب وجود الدليل عليه إلى قسمين؛ هما:[٣٢]

  • النوع الأول: ما ورد عليه دليلٌ، فهو القسم المعلوم من الغيب، فيُعلم من الغيب ما ورد عليه دليل، وقد عدّ أهل العلم الاستدلالَ بالشاهد على الغائب أحد أنواع الأدلة.
  • النوع الثاني: ما لم يرد عليه أي دليلٍ، فهذا النوع من الغيب من اختصاص علم الله وحده.

أثر وفضل الإيمان بالغيب

للإيمان بالغيب آثارٌ وفضائل عديدةٍ تعود على المؤمن به، يُذكر منها:[٣٣][٣٤]

  • تحقيق الفلاح والهداية في الحياة الدنيا، قال الله -تعالى-: (أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٣٥]
  • نيل مغفرة الله -تعالى- والأجر الكبير والثواب الجزيل منه -سبحانه-، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).[٣٦]
  • صلاح الإنسان في عمله وسلوكه؛ لأنّه يعلم أنّ الحياة الدنيا دار بلاءٍ وامتحانٍ، ودارٌ للعمل وليست دار للمقرّ، فيعمل جاهداً للفوز بالجنة في الدار الآخرة.
  • استشعار مراقبة الله -سبحانه- في جميع الأوقات، فالمؤمن بالغيب محميٌ من الوقوع في المحرّمات، فيتجنبها ويبتعد عن الطرق المؤدّية إليها.
  • الشعور بالطمأنينة والسكينة؛ لأنّ الله -سبحانه- لم يترك أمراً في التشريع الإسلامي يحتاجه الإنسان في الحياة الدنيا؛ إلّا وقد وضّحه وبيّنه، ووضع لكلّ تساؤلٍ إجابةً واضحةً مقنعةً.
  • التوكّل على الله، مع الأخذ بالأسباب، وعدم التهاون فيها، وتجنّب التواكل أو عدم الأخذ بالأسباب، احتجاجاً بأن ما قدّره الله سيقع، فيُقبل المسلم على العمل والسعي، وإذا وقع الأمر وتحقّق يصبر ويرضى على ما قدّره الله له، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأخذ بالأسباب لا يعني تحقّق النتائج التي بذل العبد في سبيل تحقيقها، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ).[٣٧]

للمزيد من التفاصيل عن عالم الغيب والشهادة والفرق بينهما الاطّلاع على مقالة: ((عالم الغيب والشهادة)).

المراجع

  1. “تعريف ومعنى الإيمان بالغيب في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-5-2020. بتصرّف.
  2. “تعريف ومعنى الغيب في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com. بتصرّف.
  3. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 9-12. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية: 78.
  5. سورة البقرة، آية: 33.
  6. سورة آل عمران، آية: 44.
  7. سورة آل عمران، آية: 179.
  8. سورة النساء، آية: 34.
  9. سورة الأنبياء، آية: 49.
  10. سورة الأعراف، آية: 188.
  11. سورة الأنعام، آية: 59.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7379، صحيح.
  13. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 199، صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4855، صحيح.
  15. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 1971، أخرجه في صحيحه.
  16. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دار الوفاء، صفحة 145-146. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية: 177.
  18. ^ أ ب سعيد حوى (1992)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الثانية)، صفحة 562، جزء 2. بتصرّف.
  19. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 71، جزء 1. بتصرّف.
  20. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 81-82، جزء 1. بتصرّف.
  21. ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة، صفحة 2، جزء 5. بتصرّف.
  22. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 15-17. بتصرّف.
  23. سورة النمل، آية: 65.
  24. سورة الجن، آية: 26-27.
  25. سورة سبأ، آية: 14.
  26. الطنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار النهضة، صفحة 42، جزء 1. بتصرّف.
  27. الرازي،تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: إحياء التراث العربي، صفحة 273، جزء 2. بتصرّف.
  28. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 110. بتصرّف.
  29. “الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله”، www.islamqa.info، 19-8-2008، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  30. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دارالوفاء، صفحة 146. بتصرّف.
  31. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 177، صحيح.
  32. الرازي، تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 274، جزء 2. بتصرّف.
  33. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 576، جزء 1. بتصرّف.
  34. يحيى مراد، عالم الغيب بين الوحي والعقل، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 191-202. بتصرّف.
  35. سورة البقرة، آية: 5.
  36. سورة الملك، آية: 12.
  37. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2516، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعريف الإيمان الغيب

إن الإيمان بالغيب يعني التصديق بالأمور الغيبية التي لا تُدرك بالحواس، وإنما نعلمها بخبر الوحي المرسل للأنبياء، وأن الله -عز وجل- عالمٌ بكل ما خفي وبكل ما سيحدث،[١] وقد بيّن العلماء المقصود بالغيب في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • الغيب لغةً: مصدر الفعل غَابَ، والجمع منه غيوب وغياب، ويضاده الحاضر، والمُشاهد، فيُطلق الغيب على كلّ أمرٍ غُيّب عن الإنسان، سواءً تحقّق في القلب أم لا، فيقال: الأمر في عالم الغيب؛ أي أنّ رؤيته غير ممكنةٍ، وقد تحقّق الجهل به.[٢]
  • الغيب شرعاً: ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد دلّ وروده في القرآن على كلّ ما غاب عن الحواسّ؛ فالغيب كلّ أمرٍ لا يعلمه إلّا الله، وتمّ ذكره في ستةٍ وخمسين موضعاً للدلالة على عدّة معانٍ، وذُكر في السنة النبوية مقروناً بالعلم؛ للدلالة على عدم التناقض بينهما، وللإشارة إلى أنّ الإيمان بالغيب لا بدّ أن يكون متحقّقاً بالقلب، وصولاً به إلى درجة العلم، فالعلم الحقيقي هو العلم بالغيب، وبالمجمل فإنّ الغيب في السنة النبوية دلّ على العلم بالمستقبل الذي استأثر بعلمه الله وحده، وهو الدالّ على خشية العبد وخوفه من الله، وفيما يأتي بيان المواضع التي ذُكر بها الغيب في القرآن والسنة:[٣]
    • قال الله -سبحانه-: (أَطَّلَعَ الغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمـنِ عَهدًا)،[٤] بمعنى كلّ ما غاب عن الحواس.
    • قال -تعالى-: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)،[٥] دلالةً على أنّ الله وحده عالم الغيب.
    • قال -تعالى-: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)؛[٦] أي الأخبار والأحداث والقصص الماضية التي غابت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
    • قال -تعالى-: (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)،[٧] ويُراد بالغيب هنا: ما انفرد بعلمه الله وحده، ولم يُطلع عليه أحداً غيره.
    • قال -تعالى-: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ)،[٨] أي أنّ المؤمنات هنّ من يحفظن أنفسهنّ في غياب أزواجهنّ.
    • قال -تعالى-: (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ)،[٩] فقد ذُكر الغيب في الآية السابقة كصفةٍ للمؤمنين الذين يخشون الله، ويخافون منه في جميع الأحوال.
    • قال الله -تعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنون)،[١٠] دلالةً على نفي علم الرسول للغيب.
    • قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ)،[١١] إشارةً إلى أنّ للغيب مفاتح لا يعلمها إلّا الله، وقد ثبتت بصحيح السنّة النبوية، إذ روى الإمام البخاري في صحيحه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ).[١٢]
    • قال -عليه السلام-: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا).[١٣]
    • قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصَارَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، {وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وحْيًا أوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}، ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}).[١٤]
    • كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو ربّه قائلاً: (اللَّهمَّ بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخَلْقِ، أحيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك خشيتَك في الغيبِ والشَّهادةِ).[١٥]

والمغيّبات التي نصّ الدليل عليها، والتي لا بدّ من الإيمان بها، هي: الملائكة، والجِنّ، والكتب، والرُّسل، واليوم الآخر بما فيه من حسابٍ، و ما بعده من ثوابٍ أو عقابٍ، وما قدّره الله -سبحانه-، وكلّ ما ذُكر في القرآن من أمورٍ غيبيةٍ؛ كخلق الإنسان والسماوات والأرض.[١٦]

حقيقة الإيمان بالغيب

معلوم أنّ العقيدة الإسلامية تقوم على أركانٍ ستة، وقد تعدّد مواضع ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك قوله سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[١٧] ويُعرّف الإيمان بأنّه التصديق بالأمور الغيبية؛ فذات الله غيبٌ، وملائكته غيبٌ، وكُتبه غيبٌ، ورُسله غيبٌ، والآخرة غيبٌ، والقدر غيبٌ، وقد بيّن الله -سبحانه- لعباده في كتابه الكريم ما يحتاجون لمعرفته من أمور الغيب، وأخفى عنهم غيرها، واختصّ -سبحانه- دون غيره بالعلم المطلق للغيب.[١٨][١٩]

وحقيقة الإيمان تقوم على ثلاثة أسس؛ قولٌ باللسان، وإقرارٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح؛ فكلما زادت معرفة المسلم لربّه ولأركان الإيمان استقرّ الإيمان في قلبه ووصل لحقيقة الإيمان؛ فتزيد همّته في سبيل الدعوة وإقامة الشرائع والعبادات والاجتهاد في بذل كلّ ما يستطيع لتحقيق ذلك.[٢٠]

للمزيد من التفاصيل عن أركان الإيمان الاطّلاع على مقالة: ((ما هي أركان الإيمان)).

أنواع الغيب

ينقسم الغيب إلى نوعين؛ هما:[٢١]

  • النوع الأول: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، متعلقاً بزمانٍ ووقتٍ معينٍ، سواءً كان من أخبار الماضي، مثلا: أخبار الأنبياء المؤكّد صدقها، أو أخبار المستقبل، مثل: أشراط الساعة.
  • النوع الثاني: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، ولا يتعلّق بحياة البشر، وهذا النوع على صنفين:
    • الغيبيات الكونية؛ التي لا توجد بينها وبين الإنسان علاقةٌ مباشرةٌ، وهذا النوع من الغيب خارج نطاق إدراك الإنسان، مثل: أخبار السماوات وأخبار العرش والكرسي.
    • الغيبيات التي لها صِلةٌ مباشرةٌ باليوم الآخر، وهي كلّ غيبٍ غائبٍ عن إدراك الإنسان.

خصائص الغيب

يختصّ علم الغيب بعددٍ من الأمور؛ بيانها فيما يأتي:[٢٢]

  • اختصّ الله -سبحانه- بعلمه دون من سواه، فلا أحد يستطيع الوصول إلى علم الغيب المطلق مهما بلغت منزلته، قال -تعالى-: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ).[٢٣]
  • لا يطّلع عليه أحدٌ إلّا مَن ارتضى الله له الاطّلاع من رُسله، ويكون اطّلاعهم بأمرٍ من الله، وبقدرته لا بقدرتهم الخاصة ولا بجهدهم، فذلك اصطفاءٌ من الله لهم بمعرفة جزءٍ من الغيب لا بمطلقه، قال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا).[٢٤]
  • لا يطّلع عليه جنٌّ ولا مَلكٌ، بدليل قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).[٢٥]
  • لا يعدّ علم الغيب من ضرورات الخلافة في الأرض، ولو كان كذلك لأخبر الله به عباده، والجزء البسيط المهم من الغيب نصّ عليه الله -سبحانه- في القرآن الكريم، وثبت بما صحّ من أخبار الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أهمية الإيمان بالغيب

اعتبر العلماء أنّ الإيمان بالغيب ركن التقوى، وتتحقّق التقوى بالإيمان بستة أمورٍ؛ الله، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وخير القدر وشرّه،[١٨] وحتى يصل الإنسان إلى الإيمان؛ لا بد من تصديقه لكلّ غيبٍ ورد بالدليل، فالتصديق به أمرٌ واجبٌ، لا بدّ من تحقّقه؛ إذ إنّ تصديقة بُني على دليلٍ،[٢٦] والإيمان بالغيب يقود المؤمن إلى التّفكر والاستدلال؛ فيكون ذلك سبباً في تحصيل العلم بصفات الله -سبحانه- والعلم بالآخرة وغيرها من المغيّبات التي نصّ عليها الدليل؛ فيستحقّ المؤمن بسبب ذلك ثناء المولى عزّ وجلّ،[٢٧] والإيمان بالغيب ضرورةٌ عقليّةٌ؛ لأنّ الإنسان أدرك أنّ حواسه الخمسة محدودةٌ، لا تستطيع إدراك كلّ ما في الوجود، كما أنّها تختلف لدى الأشخاص، وعدم الإدراك للشيء لا يعني عدم وجوده، فعقل الإنسان قاصرٌ ومحدودٌ، والإيمان لا يكون بالإدراك وحده؛ وإنّما بالتصديق القلبي لما نُقل بالأدلة الشرعية الصحيحة، ولذلك لم يكن العقل الوسيلة الوحيدة لإدراك وجود الله -سبحانه-، بل الفطرة والشعور الداخلي يحقّقان ذلك.[٢٨]

أقسام الغيب

قسّم العلماء الغيب إلى قسمين؛ حسب إمكانية الوصول إليه وإدراكه، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢٩][٣٠]

  • الغيب المطلق: وهو الغيب الذي لا يعلمه إلّا الله، كما أخبرت بذلك السيدة عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الصحيح، فقالت: (ومَن زَعَمَ أنَّه يُخْبِرُ بما يَكونُ في غَدٍ، فقَدْ أعْظَمَ علَى اللهِ الفِرْيَةَ)،[٣١] وهذا القسم لا يُمكن إدراكه بالحواسّ، ولا إحاطته بالعقل، ولا الوصول إليه بالخيال؛ كصفات الله.
  • الغيب النسبي: فهو الغيب الذي يعلمه بعض الخلق دون البعض، فلا يختصّ الله -عزّ وجلّ- بعلمه، وهو يسمّى غيباً بالنسبة للذي يجهله، أمّا لغيره فهو معلومٌ، وهذا النوع من الغيب يمكن الوصول إليه بالوحي، فالغيب النسبي ينقسم إلى قسمين، هما:
    • قسمٌ لم يُدركه بعض البشر، ولكن أدركه البعض الآخر، مثل: قصص الأنبياء السابقين؛ كقصة يوسف -عليه السلام-.
    • قسمٌ لم يدركه البشر، وإن كان من الممكن عقلاً إدراكه إن وُجدوا حين وقوعه؛ كأخبار بداية الحياة البشرية، فلم يدرك الإنسان تلك الأمور إلّا ما ورد بطريق الوحي.

وينقسم الغيب حسب وجود الدليل عليه إلى قسمين؛ هما:[٣٢]

  • النوع الأول: ما ورد عليه دليلٌ، فهو القسم المعلوم من الغيب، فيُعلم من الغيب ما ورد عليه دليل، وقد عدّ أهل العلم الاستدلالَ بالشاهد على الغائب أحد أنواع الأدلة.
  • النوع الثاني: ما لم يرد عليه أي دليلٍ، فهذا النوع من الغيب من اختصاص علم الله وحده.

أثر وفضل الإيمان بالغيب

للإيمان بالغيب آثارٌ وفضائل عديدةٍ تعود على المؤمن به، يُذكر منها:[٣٣][٣٤]

  • تحقيق الفلاح والهداية في الحياة الدنيا، قال الله -تعالى-: (أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٣٥]
  • نيل مغفرة الله -تعالى- والأجر الكبير والثواب الجزيل منه -سبحانه-، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).[٣٦]
  • صلاح الإنسان في عمله وسلوكه؛ لأنّه يعلم أنّ الحياة الدنيا دار بلاءٍ وامتحانٍ، ودارٌ للعمل وليست دار للمقرّ، فيعمل جاهداً للفوز بالجنة في الدار الآخرة.
  • استشعار مراقبة الله -سبحانه- في جميع الأوقات، فالمؤمن بالغيب محميٌ من الوقوع في المحرّمات، فيتجنبها ويبتعد عن الطرق المؤدّية إليها.
  • الشعور بالطمأنينة والسكينة؛ لأنّ الله -سبحانه- لم يترك أمراً في التشريع الإسلامي يحتاجه الإنسان في الحياة الدنيا؛ إلّا وقد وضّحه وبيّنه، ووضع لكلّ تساؤلٍ إجابةً واضحةً مقنعةً.
  • التوكّل على الله، مع الأخذ بالأسباب، وعدم التهاون فيها، وتجنّب التواكل أو عدم الأخذ بالأسباب، احتجاجاً بأن ما قدّره الله سيقع، فيُقبل المسلم على العمل والسعي، وإذا وقع الأمر وتحقّق يصبر ويرضى على ما قدّره الله له، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأخذ بالأسباب لا يعني تحقّق النتائج التي بذل العبد في سبيل تحقيقها، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ).[٣٧]

للمزيد من التفاصيل عن عالم الغيب والشهادة والفرق بينهما الاطّلاع على مقالة: ((عالم الغيب والشهادة)).

المراجع

  1. “تعريف ومعنى الإيمان بالغيب في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-5-2020. بتصرّف.
  2. “تعريف ومعنى الغيب في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com. بتصرّف.
  3. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 9-12. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية: 78.
  5. سورة البقرة، آية: 33.
  6. سورة آل عمران، آية: 44.
  7. سورة آل عمران، آية: 179.
  8. سورة النساء، آية: 34.
  9. سورة الأنبياء، آية: 49.
  10. سورة الأعراف، آية: 188.
  11. سورة الأنعام، آية: 59.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7379، صحيح.
  13. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 199، صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4855، صحيح.
  15. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 1971، أخرجه في صحيحه.
  16. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دار الوفاء، صفحة 145-146. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية: 177.
  18. ^ أ ب سعيد حوى (1992)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الثانية)، صفحة 562، جزء 2. بتصرّف.
  19. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 71، جزء 1. بتصرّف.
  20. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 81-82، جزء 1. بتصرّف.
  21. ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة، صفحة 2، جزء 5. بتصرّف.
  22. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 15-17. بتصرّف.
  23. سورة النمل، آية: 65.
  24. سورة الجن، آية: 26-27.
  25. سورة سبأ، آية: 14.
  26. الطنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار النهضة، صفحة 42، جزء 1. بتصرّف.
  27. الرازي،تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: إحياء التراث العربي، صفحة 273، جزء 2. بتصرّف.
  28. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 110. بتصرّف.
  29. “الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله”، www.islamqa.info، 19-8-2008، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  30. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دارالوفاء، صفحة 146. بتصرّف.
  31. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 177، صحيح.
  32. الرازي، تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 274، جزء 2. بتصرّف.
  33. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 576، جزء 1. بتصرّف.
  34. يحيى مراد، عالم الغيب بين الوحي والعقل، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 191-202. بتصرّف.
  35. سورة البقرة، آية: 5.
  36. سورة الملك، آية: 12.
  37. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2516، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعريف الإيمان الغيب

إن الإيمان بالغيب يعني التصديق بالأمور الغيبية التي لا تُدرك بالحواس، وإنما نعلمها بخبر الوحي المرسل للأنبياء، وأن الله -عز وجل- عالمٌ بكل ما خفي وبكل ما سيحدث،[١] وقد بيّن العلماء المقصود بالغيب في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • الغيب لغةً: مصدر الفعل غَابَ، والجمع منه غيوب وغياب، ويضاده الحاضر، والمُشاهد، فيُطلق الغيب على كلّ أمرٍ غُيّب عن الإنسان، سواءً تحقّق في القلب أم لا، فيقال: الأمر في عالم الغيب؛ أي أنّ رؤيته غير ممكنةٍ، وقد تحقّق الجهل به.[٢]
  • الغيب شرعاً: ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد دلّ وروده في القرآن على كلّ ما غاب عن الحواسّ؛ فالغيب كلّ أمرٍ لا يعلمه إلّا الله، وتمّ ذكره في ستةٍ وخمسين موضعاً للدلالة على عدّة معانٍ، وذُكر في السنة النبوية مقروناً بالعلم؛ للدلالة على عدم التناقض بينهما، وللإشارة إلى أنّ الإيمان بالغيب لا بدّ أن يكون متحقّقاً بالقلب، وصولاً به إلى درجة العلم، فالعلم الحقيقي هو العلم بالغيب، وبالمجمل فإنّ الغيب في السنة النبوية دلّ على العلم بالمستقبل الذي استأثر بعلمه الله وحده، وهو الدالّ على خشية العبد وخوفه من الله، وفيما يأتي بيان المواضع التي ذُكر بها الغيب في القرآن والسنة:[٣]
    • قال الله -سبحانه-: (أَطَّلَعَ الغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمـنِ عَهدًا)،[٤] بمعنى كلّ ما غاب عن الحواس.
    • قال -تعالى-: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)،[٥] دلالةً على أنّ الله وحده عالم الغيب.
    • قال -تعالى-: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)؛[٦] أي الأخبار والأحداث والقصص الماضية التي غابت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
    • قال -تعالى-: (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)،[٧] ويُراد بالغيب هنا: ما انفرد بعلمه الله وحده، ولم يُطلع عليه أحداً غيره.
    • قال -تعالى-: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ)،[٨] أي أنّ المؤمنات هنّ من يحفظن أنفسهنّ في غياب أزواجهنّ.
    • قال -تعالى-: (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ)،[٩] فقد ذُكر الغيب في الآية السابقة كصفةٍ للمؤمنين الذين يخشون الله، ويخافون منه في جميع الأحوال.
    • قال الله -تعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنون)،[١٠] دلالةً على نفي علم الرسول للغيب.
    • قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ)،[١١] إشارةً إلى أنّ للغيب مفاتح لا يعلمها إلّا الله، وقد ثبتت بصحيح السنّة النبوية، إذ روى الإمام البخاري في صحيحه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ).[١٢]
    • قال -عليه السلام-: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا).[١٣]
    • قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصَارَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، {وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وحْيًا أوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}، ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}).[١٤]
    • كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو ربّه قائلاً: (اللَّهمَّ بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخَلْقِ، أحيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك خشيتَك في الغيبِ والشَّهادةِ).[١٥]

والمغيّبات التي نصّ الدليل عليها، والتي لا بدّ من الإيمان بها، هي: الملائكة، والجِنّ، والكتب، والرُّسل، واليوم الآخر بما فيه من حسابٍ، و ما بعده من ثوابٍ أو عقابٍ، وما قدّره الله -سبحانه-، وكلّ ما ذُكر في القرآن من أمورٍ غيبيةٍ؛ كخلق الإنسان والسماوات والأرض.[١٦]

حقيقة الإيمان بالغيب

معلوم أنّ العقيدة الإسلامية تقوم على أركانٍ ستة، وقد تعدّد مواضع ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك قوله سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[١٧] ويُعرّف الإيمان بأنّه التصديق بالأمور الغيبية؛ فذات الله غيبٌ، وملائكته غيبٌ، وكُتبه غيبٌ، ورُسله غيبٌ، والآخرة غيبٌ، والقدر غيبٌ، وقد بيّن الله -سبحانه- لعباده في كتابه الكريم ما يحتاجون لمعرفته من أمور الغيب، وأخفى عنهم غيرها، واختصّ -سبحانه- دون غيره بالعلم المطلق للغيب.[١٨][١٩]

وحقيقة الإيمان تقوم على ثلاثة أسس؛ قولٌ باللسان، وإقرارٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح؛ فكلما زادت معرفة المسلم لربّه ولأركان الإيمان استقرّ الإيمان في قلبه ووصل لحقيقة الإيمان؛ فتزيد همّته في سبيل الدعوة وإقامة الشرائع والعبادات والاجتهاد في بذل كلّ ما يستطيع لتحقيق ذلك.[٢٠]

للمزيد من التفاصيل عن أركان الإيمان الاطّلاع على مقالة: ((ما هي أركان الإيمان)).

أنواع الغيب

ينقسم الغيب إلى نوعين؛ هما:[٢١]

  • النوع الأول: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، متعلقاً بزمانٍ ووقتٍ معينٍ، سواءً كان من أخبار الماضي، مثلا: أخبار الأنبياء المؤكّد صدقها، أو أخبار المستقبل، مثل: أشراط الساعة.
  • النوع الثاني: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، ولا يتعلّق بحياة البشر، وهذا النوع على صنفين:
    • الغيبيات الكونية؛ التي لا توجد بينها وبين الإنسان علاقةٌ مباشرةٌ، وهذا النوع من الغيب خارج نطاق إدراك الإنسان، مثل: أخبار السماوات وأخبار العرش والكرسي.
    • الغيبيات التي لها صِلةٌ مباشرةٌ باليوم الآخر، وهي كلّ غيبٍ غائبٍ عن إدراك الإنسان.

خصائص الغيب

يختصّ علم الغيب بعددٍ من الأمور؛ بيانها فيما يأتي:[٢٢]

  • اختصّ الله -سبحانه- بعلمه دون من سواه، فلا أحد يستطيع الوصول إلى علم الغيب المطلق مهما بلغت منزلته، قال -تعالى-: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ).[٢٣]
  • لا يطّلع عليه أحدٌ إلّا مَن ارتضى الله له الاطّلاع من رُسله، ويكون اطّلاعهم بأمرٍ من الله، وبقدرته لا بقدرتهم الخاصة ولا بجهدهم، فذلك اصطفاءٌ من الله لهم بمعرفة جزءٍ من الغيب لا بمطلقه، قال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا).[٢٤]
  • لا يطّلع عليه جنٌّ ولا مَلكٌ، بدليل قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).[٢٥]
  • لا يعدّ علم الغيب من ضرورات الخلافة في الأرض، ولو كان كذلك لأخبر الله به عباده، والجزء البسيط المهم من الغيب نصّ عليه الله -سبحانه- في القرآن الكريم، وثبت بما صحّ من أخبار الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أهمية الإيمان بالغيب

اعتبر العلماء أنّ الإيمان بالغيب ركن التقوى، وتتحقّق التقوى بالإيمان بستة أمورٍ؛ الله، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وخير القدر وشرّه،[١٨] وحتى يصل الإنسان إلى الإيمان؛ لا بد من تصديقه لكلّ غيبٍ ورد بالدليل، فالتصديق به أمرٌ واجبٌ، لا بدّ من تحقّقه؛ إذ إنّ تصديقة بُني على دليلٍ،[٢٦] والإيمان بالغيب يقود المؤمن إلى التّفكر والاستدلال؛ فيكون ذلك سبباً في تحصيل العلم بصفات الله -سبحانه- والعلم بالآخرة وغيرها من المغيّبات التي نصّ عليها الدليل؛ فيستحقّ المؤمن بسبب ذلك ثناء المولى عزّ وجلّ،[٢٧] والإيمان بالغيب ضرورةٌ عقليّةٌ؛ لأنّ الإنسان أدرك أنّ حواسه الخمسة محدودةٌ، لا تستطيع إدراك كلّ ما في الوجود، كما أنّها تختلف لدى الأشخاص، وعدم الإدراك للشيء لا يعني عدم وجوده، فعقل الإنسان قاصرٌ ومحدودٌ، والإيمان لا يكون بالإدراك وحده؛ وإنّما بالتصديق القلبي لما نُقل بالأدلة الشرعية الصحيحة، ولذلك لم يكن العقل الوسيلة الوحيدة لإدراك وجود الله -سبحانه-، بل الفطرة والشعور الداخلي يحقّقان ذلك.[٢٨]

أقسام الغيب

قسّم العلماء الغيب إلى قسمين؛ حسب إمكانية الوصول إليه وإدراكه، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢٩][٣٠]

  • الغيب المطلق: وهو الغيب الذي لا يعلمه إلّا الله، كما أخبرت بذلك السيدة عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الصحيح، فقالت: (ومَن زَعَمَ أنَّه يُخْبِرُ بما يَكونُ في غَدٍ، فقَدْ أعْظَمَ علَى اللهِ الفِرْيَةَ)،[٣١] وهذا القسم لا يُمكن إدراكه بالحواسّ، ولا إحاطته بالعقل، ولا الوصول إليه بالخيال؛ كصفات الله.
  • الغيب النسبي: فهو الغيب الذي يعلمه بعض الخلق دون البعض، فلا يختصّ الله -عزّ وجلّ- بعلمه، وهو يسمّى غيباً بالنسبة للذي يجهله، أمّا لغيره فهو معلومٌ، وهذا النوع من الغيب يمكن الوصول إليه بالوحي، فالغيب النسبي ينقسم إلى قسمين، هما:
    • قسمٌ لم يُدركه بعض البشر، ولكن أدركه البعض الآخر، مثل: قصص الأنبياء السابقين؛ كقصة يوسف -عليه السلام-.
    • قسمٌ لم يدركه البشر، وإن كان من الممكن عقلاً إدراكه إن وُجدوا حين وقوعه؛ كأخبار بداية الحياة البشرية، فلم يدرك الإنسان تلك الأمور إلّا ما ورد بطريق الوحي.

وينقسم الغيب حسب وجود الدليل عليه إلى قسمين؛ هما:[٣٢]

  • النوع الأول: ما ورد عليه دليلٌ، فهو القسم المعلوم من الغيب، فيُعلم من الغيب ما ورد عليه دليل، وقد عدّ أهل العلم الاستدلالَ بالشاهد على الغائب أحد أنواع الأدلة.
  • النوع الثاني: ما لم يرد عليه أي دليلٍ، فهذا النوع من الغيب من اختصاص علم الله وحده.

أثر وفضل الإيمان بالغيب

للإيمان بالغيب آثارٌ وفضائل عديدةٍ تعود على المؤمن به، يُذكر منها:[٣٣][٣٤]

  • تحقيق الفلاح والهداية في الحياة الدنيا، قال الله -تعالى-: (أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٣٥]
  • نيل مغفرة الله -تعالى- والأجر الكبير والثواب الجزيل منه -سبحانه-، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).[٣٦]
  • صلاح الإنسان في عمله وسلوكه؛ لأنّه يعلم أنّ الحياة الدنيا دار بلاءٍ وامتحانٍ، ودارٌ للعمل وليست دار للمقرّ، فيعمل جاهداً للفوز بالجنة في الدار الآخرة.
  • استشعار مراقبة الله -سبحانه- في جميع الأوقات، فالمؤمن بالغيب محميٌ من الوقوع في المحرّمات، فيتجنبها ويبتعد عن الطرق المؤدّية إليها.
  • الشعور بالطمأنينة والسكينة؛ لأنّ الله -سبحانه- لم يترك أمراً في التشريع الإسلامي يحتاجه الإنسان في الحياة الدنيا؛ إلّا وقد وضّحه وبيّنه، ووضع لكلّ تساؤلٍ إجابةً واضحةً مقنعةً.
  • التوكّل على الله، مع الأخذ بالأسباب، وعدم التهاون فيها، وتجنّب التواكل أو عدم الأخذ بالأسباب، احتجاجاً بأن ما قدّره الله سيقع، فيُقبل المسلم على العمل والسعي، وإذا وقع الأمر وتحقّق يصبر ويرضى على ما قدّره الله له، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأخذ بالأسباب لا يعني تحقّق النتائج التي بذل العبد في سبيل تحقيقها، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ).[٣٧]

للمزيد من التفاصيل عن عالم الغيب والشهادة والفرق بينهما الاطّلاع على مقالة: ((عالم الغيب والشهادة)).

المراجع

  1. “تعريف ومعنى الإيمان بالغيب في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-5-2020. بتصرّف.
  2. “تعريف ومعنى الغيب في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com. بتصرّف.
  3. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 9-12. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية: 78.
  5. سورة البقرة، آية: 33.
  6. سورة آل عمران، آية: 44.
  7. سورة آل عمران، آية: 179.
  8. سورة النساء، آية: 34.
  9. سورة الأنبياء، آية: 49.
  10. سورة الأعراف، آية: 188.
  11. سورة الأنعام، آية: 59.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7379، صحيح.
  13. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 199، صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4855، صحيح.
  15. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 1971، أخرجه في صحيحه.
  16. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دار الوفاء، صفحة 145-146. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية: 177.
  18. ^ أ ب سعيد حوى (1992)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الثانية)، صفحة 562، جزء 2. بتصرّف.
  19. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 71، جزء 1. بتصرّف.
  20. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 81-82، جزء 1. بتصرّف.
  21. ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة، صفحة 2، جزء 5. بتصرّف.
  22. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 15-17. بتصرّف.
  23. سورة النمل، آية: 65.
  24. سورة الجن، آية: 26-27.
  25. سورة سبأ، آية: 14.
  26. الطنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار النهضة، صفحة 42، جزء 1. بتصرّف.
  27. الرازي،تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: إحياء التراث العربي، صفحة 273، جزء 2. بتصرّف.
  28. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 110. بتصرّف.
  29. “الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله”، www.islamqa.info، 19-8-2008، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  30. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دارالوفاء، صفحة 146. بتصرّف.
  31. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 177، صحيح.
  32. الرازي، تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 274، جزء 2. بتصرّف.
  33. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 576، جزء 1. بتصرّف.
  34. يحيى مراد، عالم الغيب بين الوحي والعقل، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 191-202. بتصرّف.
  35. سورة البقرة، آية: 5.
  36. سورة الملك، آية: 12.
  37. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2516، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعريف الإيمان الغيب

إن الإيمان بالغيب يعني التصديق بالأمور الغيبية التي لا تُدرك بالحواس، وإنما نعلمها بخبر الوحي المرسل للأنبياء، وأن الله -عز وجل- عالمٌ بكل ما خفي وبكل ما سيحدث،[١] وقد بيّن العلماء المقصود بالغيب في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • الغيب لغةً: مصدر الفعل غَابَ، والجمع منه غيوب وغياب، ويضاده الحاضر، والمُشاهد، فيُطلق الغيب على كلّ أمرٍ غُيّب عن الإنسان، سواءً تحقّق في القلب أم لا، فيقال: الأمر في عالم الغيب؛ أي أنّ رؤيته غير ممكنةٍ، وقد تحقّق الجهل به.[٢]
  • الغيب شرعاً: ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد دلّ وروده في القرآن على كلّ ما غاب عن الحواسّ؛ فالغيب كلّ أمرٍ لا يعلمه إلّا الله، وتمّ ذكره في ستةٍ وخمسين موضعاً للدلالة على عدّة معانٍ، وذُكر في السنة النبوية مقروناً بالعلم؛ للدلالة على عدم التناقض بينهما، وللإشارة إلى أنّ الإيمان بالغيب لا بدّ أن يكون متحقّقاً بالقلب، وصولاً به إلى درجة العلم، فالعلم الحقيقي هو العلم بالغيب، وبالمجمل فإنّ الغيب في السنة النبوية دلّ على العلم بالمستقبل الذي استأثر بعلمه الله وحده، وهو الدالّ على خشية العبد وخوفه من الله، وفيما يأتي بيان المواضع التي ذُكر بها الغيب في القرآن والسنة:[٣]
    • قال الله -سبحانه-: (أَطَّلَعَ الغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمـنِ عَهدًا)،[٤] بمعنى كلّ ما غاب عن الحواس.
    • قال -تعالى-: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)،[٥] دلالةً على أنّ الله وحده عالم الغيب.
    • قال -تعالى-: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)؛[٦] أي الأخبار والأحداث والقصص الماضية التي غابت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
    • قال -تعالى-: (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)،[٧] ويُراد بالغيب هنا: ما انفرد بعلمه الله وحده، ولم يُطلع عليه أحداً غيره.
    • قال -تعالى-: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ)،[٨] أي أنّ المؤمنات هنّ من يحفظن أنفسهنّ في غياب أزواجهنّ.
    • قال -تعالى-: (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ)،[٩] فقد ذُكر الغيب في الآية السابقة كصفةٍ للمؤمنين الذين يخشون الله، ويخافون منه في جميع الأحوال.
    • قال الله -تعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنون)،[١٠] دلالةً على نفي علم الرسول للغيب.
    • قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ)،[١١] إشارةً إلى أنّ للغيب مفاتح لا يعلمها إلّا الله، وقد ثبتت بصحيح السنّة النبوية، إذ روى الإمام البخاري في صحيحه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ).[١٢]
    • قال -عليه السلام-: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا).[١٣]
    • قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصَارَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، {وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وحْيًا أوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}، ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}).[١٤]
    • كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو ربّه قائلاً: (اللَّهمَّ بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخَلْقِ، أحيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك خشيتَك في الغيبِ والشَّهادةِ).[١٥]

والمغيّبات التي نصّ الدليل عليها، والتي لا بدّ من الإيمان بها، هي: الملائكة، والجِنّ، والكتب، والرُّسل، واليوم الآخر بما فيه من حسابٍ، و ما بعده من ثوابٍ أو عقابٍ، وما قدّره الله -سبحانه-، وكلّ ما ذُكر في القرآن من أمورٍ غيبيةٍ؛ كخلق الإنسان والسماوات والأرض.[١٦]

حقيقة الإيمان بالغيب

معلوم أنّ العقيدة الإسلامية تقوم على أركانٍ ستة، وقد تعدّد مواضع ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك قوله سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[١٧] ويُعرّف الإيمان بأنّه التصديق بالأمور الغيبية؛ فذات الله غيبٌ، وملائكته غيبٌ، وكُتبه غيبٌ، ورُسله غيبٌ، والآخرة غيبٌ، والقدر غيبٌ، وقد بيّن الله -سبحانه- لعباده في كتابه الكريم ما يحتاجون لمعرفته من أمور الغيب، وأخفى عنهم غيرها، واختصّ -سبحانه- دون غيره بالعلم المطلق للغيب.[١٨][١٩]

وحقيقة الإيمان تقوم على ثلاثة أسس؛ قولٌ باللسان، وإقرارٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح؛ فكلما زادت معرفة المسلم لربّه ولأركان الإيمان استقرّ الإيمان في قلبه ووصل لحقيقة الإيمان؛ فتزيد همّته في سبيل الدعوة وإقامة الشرائع والعبادات والاجتهاد في بذل كلّ ما يستطيع لتحقيق ذلك.[٢٠]

للمزيد من التفاصيل عن أركان الإيمان الاطّلاع على مقالة: ((ما هي أركان الإيمان)).

أنواع الغيب

ينقسم الغيب إلى نوعين؛ هما:[٢١]

  • النوع الأول: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، متعلقاً بزمانٍ ووقتٍ معينٍ، سواءً كان من أخبار الماضي، مثلا: أخبار الأنبياء المؤكّد صدقها، أو أخبار المستقبل، مثل: أشراط الساعة.
  • النوع الثاني: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، ولا يتعلّق بحياة البشر، وهذا النوع على صنفين:
    • الغيبيات الكونية؛ التي لا توجد بينها وبين الإنسان علاقةٌ مباشرةٌ، وهذا النوع من الغيب خارج نطاق إدراك الإنسان، مثل: أخبار السماوات وأخبار العرش والكرسي.
    • الغيبيات التي لها صِلةٌ مباشرةٌ باليوم الآخر، وهي كلّ غيبٍ غائبٍ عن إدراك الإنسان.

خصائص الغيب

يختصّ علم الغيب بعددٍ من الأمور؛ بيانها فيما يأتي:[٢٢]

  • اختصّ الله -سبحانه- بعلمه دون من سواه، فلا أحد يستطيع الوصول إلى علم الغيب المطلق مهما بلغت منزلته، قال -تعالى-: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ).[٢٣]
  • لا يطّلع عليه أحدٌ إلّا مَن ارتضى الله له الاطّلاع من رُسله، ويكون اطّلاعهم بأمرٍ من الله، وبقدرته لا بقدرتهم الخاصة ولا بجهدهم، فذلك اصطفاءٌ من الله لهم بمعرفة جزءٍ من الغيب لا بمطلقه، قال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا).[٢٤]
  • لا يطّلع عليه جنٌّ ولا مَلكٌ، بدليل قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).[٢٥]
  • لا يعدّ علم الغيب من ضرورات الخلافة في الأرض، ولو كان كذلك لأخبر الله به عباده، والجزء البسيط المهم من الغيب نصّ عليه الله -سبحانه- في القرآن الكريم، وثبت بما صحّ من أخبار الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أهمية الإيمان بالغيب

اعتبر العلماء أنّ الإيمان بالغيب ركن التقوى، وتتحقّق التقوى بالإيمان بستة أمورٍ؛ الله، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وخير القدر وشرّه،[١٨] وحتى يصل الإنسان إلى الإيمان؛ لا بد من تصديقه لكلّ غيبٍ ورد بالدليل، فالتصديق به أمرٌ واجبٌ، لا بدّ من تحقّقه؛ إذ إنّ تصديقة بُني على دليلٍ،[٢٦] والإيمان بالغيب يقود المؤمن إلى التّفكر والاستدلال؛ فيكون ذلك سبباً في تحصيل العلم بصفات الله -سبحانه- والعلم بالآخرة وغيرها من المغيّبات التي نصّ عليها الدليل؛ فيستحقّ المؤمن بسبب ذلك ثناء المولى عزّ وجلّ،[٢٧] والإيمان بالغيب ضرورةٌ عقليّةٌ؛ لأنّ الإنسان أدرك أنّ حواسه الخمسة محدودةٌ، لا تستطيع إدراك كلّ ما في الوجود، كما أنّها تختلف لدى الأشخاص، وعدم الإدراك للشيء لا يعني عدم وجوده، فعقل الإنسان قاصرٌ ومحدودٌ، والإيمان لا يكون بالإدراك وحده؛ وإنّما بالتصديق القلبي لما نُقل بالأدلة الشرعية الصحيحة، ولذلك لم يكن العقل الوسيلة الوحيدة لإدراك وجود الله -سبحانه-، بل الفطرة والشعور الداخلي يحقّقان ذلك.[٢٨]

أقسام الغيب

قسّم العلماء الغيب إلى قسمين؛ حسب إمكانية الوصول إليه وإدراكه، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢٩][٣٠]

  • الغيب المطلق: وهو الغيب الذي لا يعلمه إلّا الله، كما أخبرت بذلك السيدة عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الصحيح، فقالت: (ومَن زَعَمَ أنَّه يُخْبِرُ بما يَكونُ في غَدٍ، فقَدْ أعْظَمَ علَى اللهِ الفِرْيَةَ)،[٣١] وهذا القسم لا يُمكن إدراكه بالحواسّ، ولا إحاطته بالعقل، ولا الوصول إليه بالخيال؛ كصفات الله.
  • الغيب النسبي: فهو الغيب الذي يعلمه بعض الخلق دون البعض، فلا يختصّ الله -عزّ وجلّ- بعلمه، وهو يسمّى غيباً بالنسبة للذي يجهله، أمّا لغيره فهو معلومٌ، وهذا النوع من الغيب يمكن الوصول إليه بالوحي، فالغيب النسبي ينقسم إلى قسمين، هما:
    • قسمٌ لم يُدركه بعض البشر، ولكن أدركه البعض الآخر، مثل: قصص الأنبياء السابقين؛ كقصة يوسف -عليه السلام-.
    • قسمٌ لم يدركه البشر، وإن كان من الممكن عقلاً إدراكه إن وُجدوا حين وقوعه؛ كأخبار بداية الحياة البشرية، فلم يدرك الإنسان تلك الأمور إلّا ما ورد بطريق الوحي.

وينقسم الغيب حسب وجود الدليل عليه إلى قسمين؛ هما:[٣٢]

  • النوع الأول: ما ورد عليه دليلٌ، فهو القسم المعلوم من الغيب، فيُعلم من الغيب ما ورد عليه دليل، وقد عدّ أهل العلم الاستدلالَ بالشاهد على الغائب أحد أنواع الأدلة.
  • النوع الثاني: ما لم يرد عليه أي دليلٍ، فهذا النوع من الغيب من اختصاص علم الله وحده.

أثر وفضل الإيمان بالغيب

للإيمان بالغيب آثارٌ وفضائل عديدةٍ تعود على المؤمن به، يُذكر منها:[٣٣][٣٤]

  • تحقيق الفلاح والهداية في الحياة الدنيا، قال الله -تعالى-: (أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٣٥]
  • نيل مغفرة الله -تعالى- والأجر الكبير والثواب الجزيل منه -سبحانه-، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).[٣٦]
  • صلاح الإنسان في عمله وسلوكه؛ لأنّه يعلم أنّ الحياة الدنيا دار بلاءٍ وامتحانٍ، ودارٌ للعمل وليست دار للمقرّ، فيعمل جاهداً للفوز بالجنة في الدار الآخرة.
  • استشعار مراقبة الله -سبحانه- في جميع الأوقات، فالمؤمن بالغيب محميٌ من الوقوع في المحرّمات، فيتجنبها ويبتعد عن الطرق المؤدّية إليها.
  • الشعور بالطمأنينة والسكينة؛ لأنّ الله -سبحانه- لم يترك أمراً في التشريع الإسلامي يحتاجه الإنسان في الحياة الدنيا؛ إلّا وقد وضّحه وبيّنه، ووضع لكلّ تساؤلٍ إجابةً واضحةً مقنعةً.
  • التوكّل على الله، مع الأخذ بالأسباب، وعدم التهاون فيها، وتجنّب التواكل أو عدم الأخذ بالأسباب، احتجاجاً بأن ما قدّره الله سيقع، فيُقبل المسلم على العمل والسعي، وإذا وقع الأمر وتحقّق يصبر ويرضى على ما قدّره الله له، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأخذ بالأسباب لا يعني تحقّق النتائج التي بذل العبد في سبيل تحقيقها، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ).[٣٧]

للمزيد من التفاصيل عن عالم الغيب والشهادة والفرق بينهما الاطّلاع على مقالة: ((عالم الغيب والشهادة)).

المراجع

  1. “تعريف ومعنى الإيمان بالغيب في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-5-2020. بتصرّف.
  2. “تعريف ومعنى الغيب في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com. بتصرّف.
  3. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 9-12. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية: 78.
  5. سورة البقرة، آية: 33.
  6. سورة آل عمران، آية: 44.
  7. سورة آل عمران، آية: 179.
  8. سورة النساء، آية: 34.
  9. سورة الأنبياء، آية: 49.
  10. سورة الأعراف، آية: 188.
  11. سورة الأنعام، آية: 59.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7379، صحيح.
  13. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 199، صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4855، صحيح.
  15. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 1971، أخرجه في صحيحه.
  16. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دار الوفاء، صفحة 145-146. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية: 177.
  18. ^ أ ب سعيد حوى (1992)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الثانية)، صفحة 562، جزء 2. بتصرّف.
  19. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 71، جزء 1. بتصرّف.
  20. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 81-82، جزء 1. بتصرّف.
  21. ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة، صفحة 2، جزء 5. بتصرّف.
  22. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 15-17. بتصرّف.
  23. سورة النمل، آية: 65.
  24. سورة الجن، آية: 26-27.
  25. سورة سبأ، آية: 14.
  26. الطنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار النهضة، صفحة 42، جزء 1. بتصرّف.
  27. الرازي،تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: إحياء التراث العربي، صفحة 273، جزء 2. بتصرّف.
  28. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 110. بتصرّف.
  29. “الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله”، www.islamqa.info، 19-8-2008، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  30. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دارالوفاء، صفحة 146. بتصرّف.
  31. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 177، صحيح.
  32. الرازي، تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 274، جزء 2. بتصرّف.
  33. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 576، جزء 1. بتصرّف.
  34. يحيى مراد، عالم الغيب بين الوحي والعقل، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 191-202. بتصرّف.
  35. سورة البقرة، آية: 5.
  36. سورة الملك، آية: 12.
  37. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2516، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعريف الإيمان الغيب

إن الإيمان بالغيب يعني التصديق بالأمور الغيبية التي لا تُدرك بالحواس، وإنما نعلمها بخبر الوحي المرسل للأنبياء، وأن الله -عز وجل- عالمٌ بكل ما خفي وبكل ما سيحدث،[١] وقد بيّن العلماء المقصود بالغيب في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • الغيب لغةً: مصدر الفعل غَابَ، والجمع منه غيوب وغياب، ويضاده الحاضر، والمُشاهد، فيُطلق الغيب على كلّ أمرٍ غُيّب عن الإنسان، سواءً تحقّق في القلب أم لا، فيقال: الأمر في عالم الغيب؛ أي أنّ رؤيته غير ممكنةٍ، وقد تحقّق الجهل به.[٢]
  • الغيب شرعاً: ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد دلّ وروده في القرآن على كلّ ما غاب عن الحواسّ؛ فالغيب كلّ أمرٍ لا يعلمه إلّا الله، وتمّ ذكره في ستةٍ وخمسين موضعاً للدلالة على عدّة معانٍ، وذُكر في السنة النبوية مقروناً بالعلم؛ للدلالة على عدم التناقض بينهما، وللإشارة إلى أنّ الإيمان بالغيب لا بدّ أن يكون متحقّقاً بالقلب، وصولاً به إلى درجة العلم، فالعلم الحقيقي هو العلم بالغيب، وبالمجمل فإنّ الغيب في السنة النبوية دلّ على العلم بالمستقبل الذي استأثر بعلمه الله وحده، وهو الدالّ على خشية العبد وخوفه من الله، وفيما يأتي بيان المواضع التي ذُكر بها الغيب في القرآن والسنة:[٣]
    • قال الله -سبحانه-: (أَطَّلَعَ الغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمـنِ عَهدًا)،[٤] بمعنى كلّ ما غاب عن الحواس.
    • قال -تعالى-: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)،[٥] دلالةً على أنّ الله وحده عالم الغيب.
    • قال -تعالى-: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)؛[٦] أي الأخبار والأحداث والقصص الماضية التي غابت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
    • قال -تعالى-: (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)،[٧] ويُراد بالغيب هنا: ما انفرد بعلمه الله وحده، ولم يُطلع عليه أحداً غيره.
    • قال -تعالى-: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ)،[٨] أي أنّ المؤمنات هنّ من يحفظن أنفسهنّ في غياب أزواجهنّ.
    • قال -تعالى-: (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ)،[٩] فقد ذُكر الغيب في الآية السابقة كصفةٍ للمؤمنين الذين يخشون الله، ويخافون منه في جميع الأحوال.
    • قال الله -تعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنون)،[١٠] دلالةً على نفي علم الرسول للغيب.
    • قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ)،[١١] إشارةً إلى أنّ للغيب مفاتح لا يعلمها إلّا الله، وقد ثبتت بصحيح السنّة النبوية، إذ روى الإمام البخاري في صحيحه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ).[١٢]
    • قال -عليه السلام-: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا).[١٣]
    • قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصَارَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، {وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وحْيًا أوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}، ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}).[١٤]
    • كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو ربّه قائلاً: (اللَّهمَّ بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخَلْقِ، أحيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك خشيتَك في الغيبِ والشَّهادةِ).[١٥]

والمغيّبات التي نصّ الدليل عليها، والتي لا بدّ من الإيمان بها، هي: الملائكة، والجِنّ، والكتب، والرُّسل، واليوم الآخر بما فيه من حسابٍ، و ما بعده من ثوابٍ أو عقابٍ، وما قدّره الله -سبحانه-، وكلّ ما ذُكر في القرآن من أمورٍ غيبيةٍ؛ كخلق الإنسان والسماوات والأرض.[١٦]

حقيقة الإيمان بالغيب

معلوم أنّ العقيدة الإسلامية تقوم على أركانٍ ستة، وقد تعدّد مواضع ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك قوله سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[١٧] ويُعرّف الإيمان بأنّه التصديق بالأمور الغيبية؛ فذات الله غيبٌ، وملائكته غيبٌ، وكُتبه غيبٌ، ورُسله غيبٌ، والآخرة غيبٌ، والقدر غيبٌ، وقد بيّن الله -سبحانه- لعباده في كتابه الكريم ما يحتاجون لمعرفته من أمور الغيب، وأخفى عنهم غيرها، واختصّ -سبحانه- دون غيره بالعلم المطلق للغيب.[١٨][١٩]

وحقيقة الإيمان تقوم على ثلاثة أسس؛ قولٌ باللسان، وإقرارٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح؛ فكلما زادت معرفة المسلم لربّه ولأركان الإيمان استقرّ الإيمان في قلبه ووصل لحقيقة الإيمان؛ فتزيد همّته في سبيل الدعوة وإقامة الشرائع والعبادات والاجتهاد في بذل كلّ ما يستطيع لتحقيق ذلك.[٢٠]

للمزيد من التفاصيل عن أركان الإيمان الاطّلاع على مقالة: ((ما هي أركان الإيمان)).

أنواع الغيب

ينقسم الغيب إلى نوعين؛ هما:[٢١]

  • النوع الأول: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، متعلقاً بزمانٍ ووقتٍ معينٍ، سواءً كان من أخبار الماضي، مثلا: أخبار الأنبياء المؤكّد صدقها، أو أخبار المستقبل، مثل: أشراط الساعة.
  • النوع الثاني: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، ولا يتعلّق بحياة البشر، وهذا النوع على صنفين:
    • الغيبيات الكونية؛ التي لا توجد بينها وبين الإنسان علاقةٌ مباشرةٌ، وهذا النوع من الغيب خارج نطاق إدراك الإنسان، مثل: أخبار السماوات وأخبار العرش والكرسي.
    • الغيبيات التي لها صِلةٌ مباشرةٌ باليوم الآخر، وهي كلّ غيبٍ غائبٍ عن إدراك الإنسان.

خصائص الغيب

يختصّ علم الغيب بعددٍ من الأمور؛ بيانها فيما يأتي:[٢٢]

  • اختصّ الله -سبحانه- بعلمه دون من سواه، فلا أحد يستطيع الوصول إلى علم الغيب المطلق مهما بلغت منزلته، قال -تعالى-: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ).[٢٣]
  • لا يطّلع عليه أحدٌ إلّا مَن ارتضى الله له الاطّلاع من رُسله، ويكون اطّلاعهم بأمرٍ من الله، وبقدرته لا بقدرتهم الخاصة ولا بجهدهم، فذلك اصطفاءٌ من الله لهم بمعرفة جزءٍ من الغيب لا بمطلقه، قال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا).[٢٤]
  • لا يطّلع عليه جنٌّ ولا مَلكٌ، بدليل قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).[٢٥]
  • لا يعدّ علم الغيب من ضرورات الخلافة في الأرض، ولو كان كذلك لأخبر الله به عباده، والجزء البسيط المهم من الغيب نصّ عليه الله -سبحانه- في القرآن الكريم، وثبت بما صحّ من أخبار الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أهمية الإيمان بالغيب

اعتبر العلماء أنّ الإيمان بالغيب ركن التقوى، وتتحقّق التقوى بالإيمان بستة أمورٍ؛ الله، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وخير القدر وشرّه،[١٨] وحتى يصل الإنسان إلى الإيمان؛ لا بد من تصديقه لكلّ غيبٍ ورد بالدليل، فالتصديق به أمرٌ واجبٌ، لا بدّ من تحقّقه؛ إذ إنّ تصديقة بُني على دليلٍ،[٢٦] والإيمان بالغيب يقود المؤمن إلى التّفكر والاستدلال؛ فيكون ذلك سبباً في تحصيل العلم بصفات الله -سبحانه- والعلم بالآخرة وغيرها من المغيّبات التي نصّ عليها الدليل؛ فيستحقّ المؤمن بسبب ذلك ثناء المولى عزّ وجلّ،[٢٧] والإيمان بالغيب ضرورةٌ عقليّةٌ؛ لأنّ الإنسان أدرك أنّ حواسه الخمسة محدودةٌ، لا تستطيع إدراك كلّ ما في الوجود، كما أنّها تختلف لدى الأشخاص، وعدم الإدراك للشيء لا يعني عدم وجوده، فعقل الإنسان قاصرٌ ومحدودٌ، والإيمان لا يكون بالإدراك وحده؛ وإنّما بالتصديق القلبي لما نُقل بالأدلة الشرعية الصحيحة، ولذلك لم يكن العقل الوسيلة الوحيدة لإدراك وجود الله -سبحانه-، بل الفطرة والشعور الداخلي يحقّقان ذلك.[٢٨]

أقسام الغيب

قسّم العلماء الغيب إلى قسمين؛ حسب إمكانية الوصول إليه وإدراكه، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢٩][٣٠]

  • الغيب المطلق: وهو الغيب الذي لا يعلمه إلّا الله، كما أخبرت بذلك السيدة عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الصحيح، فقالت: (ومَن زَعَمَ أنَّه يُخْبِرُ بما يَكونُ في غَدٍ، فقَدْ أعْظَمَ علَى اللهِ الفِرْيَةَ)،[٣١] وهذا القسم لا يُمكن إدراكه بالحواسّ، ولا إحاطته بالعقل، ولا الوصول إليه بالخيال؛ كصفات الله.
  • الغيب النسبي: فهو الغيب الذي يعلمه بعض الخلق دون البعض، فلا يختصّ الله -عزّ وجلّ- بعلمه، وهو يسمّى غيباً بالنسبة للذي يجهله، أمّا لغيره فهو معلومٌ، وهذا النوع من الغيب يمكن الوصول إليه بالوحي، فالغيب النسبي ينقسم إلى قسمين، هما:
    • قسمٌ لم يُدركه بعض البشر، ولكن أدركه البعض الآخر، مثل: قصص الأنبياء السابقين؛ كقصة يوسف -عليه السلام-.
    • قسمٌ لم يدركه البشر، وإن كان من الممكن عقلاً إدراكه إن وُجدوا حين وقوعه؛ كأخبار بداية الحياة البشرية، فلم يدرك الإنسان تلك الأمور إلّا ما ورد بطريق الوحي.

وينقسم الغيب حسب وجود الدليل عليه إلى قسمين؛ هما:[٣٢]

  • النوع الأول: ما ورد عليه دليلٌ، فهو القسم المعلوم من الغيب، فيُعلم من الغيب ما ورد عليه دليل، وقد عدّ أهل العلم الاستدلالَ بالشاهد على الغائب أحد أنواع الأدلة.
  • النوع الثاني: ما لم يرد عليه أي دليلٍ، فهذا النوع من الغيب من اختصاص علم الله وحده.

أثر وفضل الإيمان بالغيب

للإيمان بالغيب آثارٌ وفضائل عديدةٍ تعود على المؤمن به، يُذكر منها:[٣٣][٣٤]

  • تحقيق الفلاح والهداية في الحياة الدنيا، قال الله -تعالى-: (أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٣٥]
  • نيل مغفرة الله -تعالى- والأجر الكبير والثواب الجزيل منه -سبحانه-، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).[٣٦]
  • صلاح الإنسان في عمله وسلوكه؛ لأنّه يعلم أنّ الحياة الدنيا دار بلاءٍ وامتحانٍ، ودارٌ للعمل وليست دار للمقرّ، فيعمل جاهداً للفوز بالجنة في الدار الآخرة.
  • استشعار مراقبة الله -سبحانه- في جميع الأوقات، فالمؤمن بالغيب محميٌ من الوقوع في المحرّمات، فيتجنبها ويبتعد عن الطرق المؤدّية إليها.
  • الشعور بالطمأنينة والسكينة؛ لأنّ الله -سبحانه- لم يترك أمراً في التشريع الإسلامي يحتاجه الإنسان في الحياة الدنيا؛ إلّا وقد وضّحه وبيّنه، ووضع لكلّ تساؤلٍ إجابةً واضحةً مقنعةً.
  • التوكّل على الله، مع الأخذ بالأسباب، وعدم التهاون فيها، وتجنّب التواكل أو عدم الأخذ بالأسباب، احتجاجاً بأن ما قدّره الله سيقع، فيُقبل المسلم على العمل والسعي، وإذا وقع الأمر وتحقّق يصبر ويرضى على ما قدّره الله له، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأخذ بالأسباب لا يعني تحقّق النتائج التي بذل العبد في سبيل تحقيقها، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ).[٣٧]

للمزيد من التفاصيل عن عالم الغيب والشهادة والفرق بينهما الاطّلاع على مقالة: ((عالم الغيب والشهادة)).

المراجع

  1. “تعريف ومعنى الإيمان بالغيب في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-5-2020. بتصرّف.
  2. “تعريف ومعنى الغيب في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com. بتصرّف.
  3. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 9-12. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية: 78.
  5. سورة البقرة، آية: 33.
  6. سورة آل عمران، آية: 44.
  7. سورة آل عمران، آية: 179.
  8. سورة النساء، آية: 34.
  9. سورة الأنبياء، آية: 49.
  10. سورة الأعراف، آية: 188.
  11. سورة الأنعام، آية: 59.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7379، صحيح.
  13. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 199، صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4855، صحيح.
  15. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 1971، أخرجه في صحيحه.
  16. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دار الوفاء، صفحة 145-146. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية: 177.
  18. ^ أ ب سعيد حوى (1992)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الثانية)، صفحة 562، جزء 2. بتصرّف.
  19. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 71، جزء 1. بتصرّف.
  20. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 81-82، جزء 1. بتصرّف.
  21. ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة، صفحة 2، جزء 5. بتصرّف.
  22. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 15-17. بتصرّف.
  23. سورة النمل، آية: 65.
  24. سورة الجن، آية: 26-27.
  25. سورة سبأ، آية: 14.
  26. الطنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار النهضة، صفحة 42، جزء 1. بتصرّف.
  27. الرازي،تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: إحياء التراث العربي، صفحة 273، جزء 2. بتصرّف.
  28. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 110. بتصرّف.
  29. “الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله”، www.islamqa.info، 19-8-2008، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  30. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دارالوفاء، صفحة 146. بتصرّف.
  31. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 177، صحيح.
  32. الرازي، تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 274، جزء 2. بتصرّف.
  33. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 576، جزء 1. بتصرّف.
  34. يحيى مراد، عالم الغيب بين الوحي والعقل، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 191-202. بتصرّف.
  35. سورة البقرة، آية: 5.
  36. سورة الملك، آية: 12.
  37. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2516، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعريف الإيمان الغيب

إن الإيمان بالغيب يعني التصديق بالأمور الغيبية التي لا تُدرك بالحواس، وإنما نعلمها بخبر الوحي المرسل للأنبياء، وأن الله -عز وجل- عالمٌ بكل ما خفي وبكل ما سيحدث،[١] وقد بيّن العلماء المقصود بالغيب في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • الغيب لغةً: مصدر الفعل غَابَ، والجمع منه غيوب وغياب، ويضاده الحاضر، والمُشاهد، فيُطلق الغيب على كلّ أمرٍ غُيّب عن الإنسان، سواءً تحقّق في القلب أم لا، فيقال: الأمر في عالم الغيب؛ أي أنّ رؤيته غير ممكنةٍ، وقد تحقّق الجهل به.[٢]
  • الغيب شرعاً: ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد دلّ وروده في القرآن على كلّ ما غاب عن الحواسّ؛ فالغيب كلّ أمرٍ لا يعلمه إلّا الله، وتمّ ذكره في ستةٍ وخمسين موضعاً للدلالة على عدّة معانٍ، وذُكر في السنة النبوية مقروناً بالعلم؛ للدلالة على عدم التناقض بينهما، وللإشارة إلى أنّ الإيمان بالغيب لا بدّ أن يكون متحقّقاً بالقلب، وصولاً به إلى درجة العلم، فالعلم الحقيقي هو العلم بالغيب، وبالمجمل فإنّ الغيب في السنة النبوية دلّ على العلم بالمستقبل الذي استأثر بعلمه الله وحده، وهو الدالّ على خشية العبد وخوفه من الله، وفيما يأتي بيان المواضع التي ذُكر بها الغيب في القرآن والسنة:[٣]
    • قال الله -سبحانه-: (أَطَّلَعَ الغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمـنِ عَهدًا)،[٤] بمعنى كلّ ما غاب عن الحواس.
    • قال -تعالى-: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)،[٥] دلالةً على أنّ الله وحده عالم الغيب.
    • قال -تعالى-: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)؛[٦] أي الأخبار والأحداث والقصص الماضية التي غابت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
    • قال -تعالى-: (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)،[٧] ويُراد بالغيب هنا: ما انفرد بعلمه الله وحده، ولم يُطلع عليه أحداً غيره.
    • قال -تعالى-: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ)،[٨] أي أنّ المؤمنات هنّ من يحفظن أنفسهنّ في غياب أزواجهنّ.
    • قال -تعالى-: (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ)،[٩] فقد ذُكر الغيب في الآية السابقة كصفةٍ للمؤمنين الذين يخشون الله، ويخافون منه في جميع الأحوال.
    • قال الله -تعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنون)،[١٠] دلالةً على نفي علم الرسول للغيب.
    • قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ)،[١١] إشارةً إلى أنّ للغيب مفاتح لا يعلمها إلّا الله، وقد ثبتت بصحيح السنّة النبوية، إذ روى الإمام البخاري في صحيحه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ).[١٢]
    • قال -عليه السلام-: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا).[١٣]
    • قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصَارَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، {وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وحْيًا أوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}، ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}).[١٤]
    • كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو ربّه قائلاً: (اللَّهمَّ بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخَلْقِ، أحيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك خشيتَك في الغيبِ والشَّهادةِ).[١٥]

والمغيّبات التي نصّ الدليل عليها، والتي لا بدّ من الإيمان بها، هي: الملائكة، والجِنّ، والكتب، والرُّسل، واليوم الآخر بما فيه من حسابٍ، و ما بعده من ثوابٍ أو عقابٍ، وما قدّره الله -سبحانه-، وكلّ ما ذُكر في القرآن من أمورٍ غيبيةٍ؛ كخلق الإنسان والسماوات والأرض.[١٦]

حقيقة الإيمان بالغيب

معلوم أنّ العقيدة الإسلامية تقوم على أركانٍ ستة، وقد تعدّد مواضع ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك قوله سبحانه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[١٧] ويُعرّف الإيمان بأنّه التصديق بالأمور الغيبية؛ فذات الله غيبٌ، وملائكته غيبٌ، وكُتبه غيبٌ، ورُسله غيبٌ، والآخرة غيبٌ، والقدر غيبٌ، وقد بيّن الله -سبحانه- لعباده في كتابه الكريم ما يحتاجون لمعرفته من أمور الغيب، وأخفى عنهم غيرها، واختصّ -سبحانه- دون غيره بالعلم المطلق للغيب.[١٨][١٩]

وحقيقة الإيمان تقوم على ثلاثة أسس؛ قولٌ باللسان، وإقرارٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح؛ فكلما زادت معرفة المسلم لربّه ولأركان الإيمان استقرّ الإيمان في قلبه ووصل لحقيقة الإيمان؛ فتزيد همّته في سبيل الدعوة وإقامة الشرائع والعبادات والاجتهاد في بذل كلّ ما يستطيع لتحقيق ذلك.[٢٠]

للمزيد من التفاصيل عن أركان الإيمان الاطّلاع على مقالة: ((ما هي أركان الإيمان)).

أنواع الغيب

ينقسم الغيب إلى نوعين؛ هما:[٢١]

  • النوع الأول: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، متعلقاً بزمانٍ ووقتٍ معينٍ، سواءً كان من أخبار الماضي، مثلا: أخبار الأنبياء المؤكّد صدقها، أو أخبار المستقبل، مثل: أشراط الساعة.
  • النوع الثاني: هو كلّ غيبٍ غائبٍ عن الحياة الدنيا، ولا يتعلّق بحياة البشر، وهذا النوع على صنفين:
    • الغيبيات الكونية؛ التي لا توجد بينها وبين الإنسان علاقةٌ مباشرةٌ، وهذا النوع من الغيب خارج نطاق إدراك الإنسان، مثل: أخبار السماوات وأخبار العرش والكرسي.
    • الغيبيات التي لها صِلةٌ مباشرةٌ باليوم الآخر، وهي كلّ غيبٍ غائبٍ عن إدراك الإنسان.

خصائص الغيب

يختصّ علم الغيب بعددٍ من الأمور؛ بيانها فيما يأتي:[٢٢]

  • اختصّ الله -سبحانه- بعلمه دون من سواه، فلا أحد يستطيع الوصول إلى علم الغيب المطلق مهما بلغت منزلته، قال -تعالى-: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ).[٢٣]
  • لا يطّلع عليه أحدٌ إلّا مَن ارتضى الله له الاطّلاع من رُسله، ويكون اطّلاعهم بأمرٍ من الله، وبقدرته لا بقدرتهم الخاصة ولا بجهدهم، فذلك اصطفاءٌ من الله لهم بمعرفة جزءٍ من الغيب لا بمطلقه، قال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا).[٢٤]
  • لا يطّلع عليه جنٌّ ولا مَلكٌ، بدليل قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).[٢٥]
  • لا يعدّ علم الغيب من ضرورات الخلافة في الأرض، ولو كان كذلك لأخبر الله به عباده، والجزء البسيط المهم من الغيب نصّ عليه الله -سبحانه- في القرآن الكريم، وثبت بما صحّ من أخبار الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أهمية الإيمان بالغيب

اعتبر العلماء أنّ الإيمان بالغيب ركن التقوى، وتتحقّق التقوى بالإيمان بستة أمورٍ؛ الله، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وخير القدر وشرّه،[١٨] وحتى يصل الإنسان إلى الإيمان؛ لا بد من تصديقه لكلّ غيبٍ ورد بالدليل، فالتصديق به أمرٌ واجبٌ، لا بدّ من تحقّقه؛ إذ إنّ تصديقة بُني على دليلٍ،[٢٦] والإيمان بالغيب يقود المؤمن إلى التّفكر والاستدلال؛ فيكون ذلك سبباً في تحصيل العلم بصفات الله -سبحانه- والعلم بالآخرة وغيرها من المغيّبات التي نصّ عليها الدليل؛ فيستحقّ المؤمن بسبب ذلك ثناء المولى عزّ وجلّ،[٢٧] والإيمان بالغيب ضرورةٌ عقليّةٌ؛ لأنّ الإنسان أدرك أنّ حواسه الخمسة محدودةٌ، لا تستطيع إدراك كلّ ما في الوجود، كما أنّها تختلف لدى الأشخاص، وعدم الإدراك للشيء لا يعني عدم وجوده، فعقل الإنسان قاصرٌ ومحدودٌ، والإيمان لا يكون بالإدراك وحده؛ وإنّما بالتصديق القلبي لما نُقل بالأدلة الشرعية الصحيحة، ولذلك لم يكن العقل الوسيلة الوحيدة لإدراك وجود الله -سبحانه-، بل الفطرة والشعور الداخلي يحقّقان ذلك.[٢٨]

أقسام الغيب

قسّم العلماء الغيب إلى قسمين؛ حسب إمكانية الوصول إليه وإدراكه، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢٩][٣٠]

  • الغيب المطلق: وهو الغيب الذي لا يعلمه إلّا الله، كما أخبرت بذلك السيدة عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الصحيح، فقالت: (ومَن زَعَمَ أنَّه يُخْبِرُ بما يَكونُ في غَدٍ، فقَدْ أعْظَمَ علَى اللهِ الفِرْيَةَ)،[٣١] وهذا القسم لا يُمكن إدراكه بالحواسّ، ولا إحاطته بالعقل، ولا الوصول إليه بالخيال؛ كصفات الله.
  • الغيب النسبي: فهو الغيب الذي يعلمه بعض الخلق دون البعض، فلا يختصّ الله -عزّ وجلّ- بعلمه، وهو يسمّى غيباً بالنسبة للذي يجهله، أمّا لغيره فهو معلومٌ، وهذا النوع من الغيب يمكن الوصول إليه بالوحي، فالغيب النسبي ينقسم إلى قسمين، هما:
    • قسمٌ لم يُدركه بعض البشر، ولكن أدركه البعض الآخر، مثل: قصص الأنبياء السابقين؛ كقصة يوسف -عليه السلام-.
    • قسمٌ لم يدركه البشر، وإن كان من الممكن عقلاً إدراكه إن وُجدوا حين وقوعه؛ كأخبار بداية الحياة البشرية، فلم يدرك الإنسان تلك الأمور إلّا ما ورد بطريق الوحي.

وينقسم الغيب حسب وجود الدليل عليه إلى قسمين؛ هما:[٣٢]

  • النوع الأول: ما ورد عليه دليلٌ، فهو القسم المعلوم من الغيب، فيُعلم من الغيب ما ورد عليه دليل، وقد عدّ أهل العلم الاستدلالَ بالشاهد على الغائب أحد أنواع الأدلة.
  • النوع الثاني: ما لم يرد عليه أي دليلٍ، فهذا النوع من الغيب من اختصاص علم الله وحده.

أثر وفضل الإيمان بالغيب

للإيمان بالغيب آثارٌ وفضائل عديدةٍ تعود على المؤمن به، يُذكر منها:[٣٣][٣٤]

  • تحقيق الفلاح والهداية في الحياة الدنيا، قال الله -تعالى-: (أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٣٥]
  • نيل مغفرة الله -تعالى- والأجر الكبير والثواب الجزيل منه -سبحانه-، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).[٣٦]
  • صلاح الإنسان في عمله وسلوكه؛ لأنّه يعلم أنّ الحياة الدنيا دار بلاءٍ وامتحانٍ، ودارٌ للعمل وليست دار للمقرّ، فيعمل جاهداً للفوز بالجنة في الدار الآخرة.
  • استشعار مراقبة الله -سبحانه- في جميع الأوقات، فالمؤمن بالغيب محميٌ من الوقوع في المحرّمات، فيتجنبها ويبتعد عن الطرق المؤدّية إليها.
  • الشعور بالطمأنينة والسكينة؛ لأنّ الله -سبحانه- لم يترك أمراً في التشريع الإسلامي يحتاجه الإنسان في الحياة الدنيا؛ إلّا وقد وضّحه وبيّنه، ووضع لكلّ تساؤلٍ إجابةً واضحةً مقنعةً.
  • التوكّل على الله، مع الأخذ بالأسباب، وعدم التهاون فيها، وتجنّب التواكل أو عدم الأخذ بالأسباب، احتجاجاً بأن ما قدّره الله سيقع، فيُقبل المسلم على العمل والسعي، وإذا وقع الأمر وتحقّق يصبر ويرضى على ما قدّره الله له، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأخذ بالأسباب لا يعني تحقّق النتائج التي بذل العبد في سبيل تحقيقها، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ).[٣٧]

للمزيد من التفاصيل عن عالم الغيب والشهادة والفرق بينهما الاطّلاع على مقالة: ((عالم الغيب والشهادة)).

المراجع

  1. “تعريف ومعنى الإيمان بالغيب في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-5-2020. بتصرّف.
  2. “تعريف ومعنى الغيب في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com. بتصرّف.
  3. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 9-12. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية: 78.
  5. سورة البقرة، آية: 33.
  6. سورة آل عمران، آية: 44.
  7. سورة آل عمران، آية: 179.
  8. سورة النساء، آية: 34.
  9. سورة الأنبياء، آية: 49.
  10. سورة الأعراف، آية: 188.
  11. سورة الأنعام، آية: 59.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7379، صحيح.
  13. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 199، صحيح.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4855، صحيح.
  15. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 1971، أخرجه في صحيحه.
  16. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دار الوفاء، صفحة 145-146. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية: 177.
  18. ^ أ ب سعيد حوى (1992)، الأساس في السنة وفقهها (الطبعة الثانية)، صفحة 562، جزء 2. بتصرّف.
  19. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 71، جزء 1. بتصرّف.
  20. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 81-82، جزء 1. بتصرّف.
  21. ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة، صفحة 2، جزء 5. بتصرّف.
  22. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 15-17. بتصرّف.
  23. سورة النمل، آية: 65.
  24. سورة الجن، آية: 26-27.
  25. سورة سبأ، آية: 14.
  26. الطنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار النهضة، صفحة 42، جزء 1. بتصرّف.
  27. الرازي،تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: إحياء التراث العربي، صفحة 273، جزء 2. بتصرّف.
  28. بسام العموش (2010)، الإيمان بالغيب (الطبعة الأولى)، العبدلي: دار المأمون، صفحة 110. بتصرّف.
  29. “الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله”، www.islamqa.info، 19-8-2008، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2020. بتصرّف.
  30. علي الطنطاوي، تعريف عام بدين الإسلام، المنصورة: دارالوفاء، صفحة 146. بتصرّف.
  31. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 177، صحيح.
  32. الرازي، تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 274، جزء 2. بتصرّف.
  33. محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 576، جزء 1. بتصرّف.
  34. يحيى مراد، عالم الغيب بين الوحي والعقل، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 191-202. بتصرّف.
  35. سورة البقرة، آية: 5.
  36. سورة الملك، آية: 12.
  37. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2516، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى