حياة الرسول و الصحابة

ماذا كان يعمل الرسول

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أعمال النبي قبل البعثة

عمل الرسول في رعي الغنم

عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رعي الأغنام، فقد بدأ عمله في الرعي منذ طفولته، كان يرعى غنم أهله وكان أيضًا يرعى الأغنام لأهل مكة ليكتسب رزقه وقوته، ورعْي الأغنام كانت حرفة معظم الأنبياء، فقد رعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الغنم قبل أن يُبعث نبيّاً للناس فاكتسب من الرعي صفات تُعينه على النبوة، كالصبر والرحمة والألفة والرعاية والعناية، والتمهل والرفق والعطف والحرص والمسؤولية، وسبب عمله وسعيه لتحصيل الرزق أن لا يكون عبئاً وعالةً على عمِّه أبي طالب الذي آواه بعد يُتمه، وكان حال عمه معسوراً وكان كثير العيال، فأراد أن يكسب ويُعين عمه على الرزق والكسب الطيِّب.[١][٢]

وقد اكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الصفات من رعْيه للأغنام، وتتجلى الحكمة من ذلك في توليه النبوة فعندما جاء التكليف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لديه من الأساليب والصفات ما يؤهله لذلك حق التأهل، فالله -عز وجل- علَّمه قواعد ومبادئ الحياة، والعبودية له وحده أثناء حياته العملية برعي الأغنام، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير قائد وقدوة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- تحديدًا وللبشرية جمعاء، ومن أهم هذه الصفات ما يأتي:[٣]

  • تحلِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسؤولية والإيجابية وذلك لأن رعاية الغنم تحتاج إلى العطف والرفق، ويؤدي رعْيها إلى الانخراط بمجتمع متواضع، وهو مجتمع الرعاة الضعفاء، الذين لا يتّصفون بكِبْر من يرفض مثل هذه الأعمال البسيطة، وبالنهاية فهذه المهنة البسيطة فيها إيجابية الكسب من عمل اليد، وهذا أفضل الكسب. وبعد هذه التنشئة والتجربة يتحصَّل عند الراعي مسؤولية عظيمة؛ فهو مسؤول عن كل رأس بالقطيع، بالعناية بمطعمه ومشربه ومأواه، والحفاظ عليهم من العدو، فبذلك تتحصل الشفقة والألفة عليهم والعناية بأمرهم جميعًا والصبر على رعايتهم، فقد عرفوا طبائعهم وحاجاتهم، وكان رعي الغنم تحديدًا وليس الإبل أو البقر، وذلك لأن الغنم بطبعه كثير الحركة والتَفرق، وأيضًا سريع التجمع، فتشبه أطباعها أطباع البشر.[٣]
  • الحكمة أيضًا من رعي الغنم، أن يكتسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفة الرعاية والعناية الشاملة؛ فالأغنام تحتاج لأبسط احتياجات الرعاية، من طعام وماء ونحو ذلك، والعناية بها عند ولادتها وبمولودها، وبتوفير مكان آمن لحمايتها من الذئاب والحيوانات واللصوص، وكل ذلك لا يقدر عليه إلا صاحب المسؤولية، وذو الأفق الواسع الذي يدرك كل ما عليه ويحسن التصرف، فكثرة الجوانب التي تحتاجها الأغنام، تقود راعيها إلى الاهتمام بإتمام جميع احتياجاتها بأتم وأفضل وجه، وهذا أكسبَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، حسن العناية والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، على أفضل وجه.[٤]
  • صفة العدل والمساواة بين الرعية أيضًا اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم برعيه للأغنام، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يُميِّز بالرعي بين الأغنام بالألوان أو الأنواع، وهذا يُعين في الدعوة والعمل لله -سبحانه وتعالى- فلا يُفرق بين عربي أو أعجمي، ولا يُفرق بين غني أو فقير، ولا يُفرق بين ذليل وعزيز ولا بين هذه القبيلة أو تلك، فالخير والدعوة للجميع ليست مقتصرةً على أحد، فهي ليست للأغنياء فقط أو للأعزاء في أقوامهم فقط، أو للأقوياء فقط، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في العدل والمساواة.[٤]
  • صفة التواضع والبعد عن التكبر، اكتسبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرعي وذلك لأن رعاية الأغنام فيها من التعب، والمشقة والجهد ما فيه في كل مراحل الرعاية، وهذا كله مُنافي للكبر والتفاخر، والنبي الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- للتعامل مع الناس، بحاجة لصفة التواضع والتودد والتراحم مع الخلق، لأنه يتعامل مع جميع أصناف البشر، من أعلاهم إلى أحقرهم، ومن مَلِكهم إلى عبيدهم، ومن غنيهم إلى فقيرهم، وهذا لا يتحصل من مُتكبر، إذ أن هذه أفضل صفات القدوة، أن يكون من يقوم بأمر المسلمين متواضع، وبالرعي يختلط الراعي مع الرعاة الآخرين فتتحصل عنده حصيلة، بأساليبهم وأفكارهم وكيفية التعامل معهم، فيسهل عليه دعوتهم، ويكسب صفة الشجاعة والقوة، من رعي الغنم، فالرعي يحتاج إلى حماية ورعاية من الراعي، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حامل الرسالة، عليه أن يكون شجاعًا، ليكون قادراً على صدِّ من يكيد للإسلام والمسلمين. [٤]
  • التفكر بالكون وبمخلوقات الله -عز وجل-، يكتسبه راعي الغنم إذ إنه دائم الجلوس في الطبيعة، فيتأمل الكون من حوله فيرى الشمس والقمر والنجوم والجبال، ويتفكر بذلك كله وكيف أن الله -عز وجل – خلق كل شيء لسبب وهدف ووظيفة، عليه القيام بها ليتحقق توازن الكون، فهذا كله يدل على الله -سبحانه وتعالى- خالق الإنسان وعقله وفكره، وخالق هذا الوجود البديع.[٤]

عمل الرسول في التجارة

بعدما بلغ سن الرشد توقف عن رعي الغنم وتوجَّه للتجارة، فعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التجارة مع عمه أبي طالب، و بدايةً لم يكن عمه موافق على سفره في التجارة، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصرَّ على عمه حتى أقنعه بالسفر للتجارة، حتى أن عمه أصبح لا يخرج للتجارة والسفر إلا والرسول -صلى الله عليه وسلم- معه، ثم خرج للتجارة بمال السيدة خديجة -رضي الله عنها- في الشام، فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- عندما سمعت عن أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق وأمانة أعجبها ذلك فأرسلت له أن يأتي للتجارة بمالها، وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات جاه ونسب ومال، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخروج للتجارة بمالها وخرج مع الغلام ميسرة الذي كان يعمل معها -رضي الله عنها-.[٥][٦]

وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم واجتهاده وسعيه في الكسب والرزق الحلال الذي يُرضي الله -عز وجل- هو من أهم صور الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، بأن يسعى العبد المسلم لطلب الرزق، مهما كان الرزق، قلَّ أم كثُر؛ وذلك لأن الكسب من عمل وجهد المرء نفسه أفضل الكسب، والله -عز وجل- حثَّ على ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[٧] وذكر فضل الكسب الحلال من جهد المرء في السنة النبوية أيضًا فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)[٨] وورد أيضًا في السنة النبوية:(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الكسبِ أطيبُ قال: عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)[٩] وقد عمل أيضًا بالتجارة صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم جميعًا-.[١٠]

والحكمة من عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة تجلّت في أن يتعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على البلاد المجاورة وأن يتعرف على الناس واختلافاتهم، وكي يعرف من خلال ذلك الطبائع والصفات والأخلاق التي يمتاز بها كل شعب، فكل ذلك كان قبل بعثته نبيًا للأمة الإسلامية مما له فائدة عليه في الدعوة إلى الله -عز وجل-.[١١]

سعي الأنبياء في طلب الرزق

السعي لطلب الرزق أمر ضروري يقوم به كل مسلم يسعى لحياةٍ طيبة، فالله -عز وجل- يُعطي ويرزق الإنسان الساعي لطلب رزقه، لا المتقاعس الذي آثر الراحة. وطلب الرزق يجب أن يكون ضمن الكسب الحلال، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا خير قدوة لنا في هذا الأمر؛ فكانوا يسعون لطلب الرزق بكل نشاطٍ واجتهاد، ومن ينظر في سيَر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُلاحظ ذلك، إذ إنهم كانوا يسعون لطلب الرزق، فكانوا يعملون ويسعون ثم يتوكلون على الله، على الرغم من أنهم أنبياء الله -سبحانه وتعالى- والمبلغين لرسالاته، وقد قال الله تعالى عنهم: (أُولـئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ)[١٢] وبرغم ذلك كانوا يبحثون عن الرزق الحلال، بعيدًا عن الاعتماد على الناس في طعامهم وشرابهم وكسوتهم.[١٣]

وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تتحدث عن أعمال الأنبياء وحِرَفهم، فكان لكل نبيٍّ من الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- حرفة يجني منها المال والرزق الحلال.[١٣] فنبي الله آدم -عليه السلام- أبو البشرية كان يحرث ويزرع، وكان يصنع أدوات ومعدّات الزراعة، وكانت زوجته تساعده بذلك، وقد وردت بعض الأقوال التي تقول بأنه أول من بنى الكعبة المشرفة، فقد كان أيضاً يُتقن البناء، والنبي إدريس -عليه السلام- كان خياطاً، وهو أول من اخترع الملابس، فكانوا من قبل يلبسون جلود الحيوانات، والنبي نوح -عليه السلام- كان في قومه راعيًا للأغنام، وقد ورد في القرآن الكريم أنه صنع الفُلك أي السفينة، فهذا يدل على أنه كان نجاراً، يقول الله -عز وجل- بذلك:(وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ).[١٤][١٣]

والنبي يوسف -عليه السلام- كان يعمل عند عزيز مصر خادماً، ثم أصبح وزيراً على خزائن مصر، وورد ذلك في قوله تعالى: (قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ)[١٥] والنبي صالح وشعيب -عليهما السلام- كانا يعملان في التجارة، والنبي موسى -عليه السلام- عمل راعيًا للغنم، وعمل أيضًا بالكتابة فكان كاتبًا، والنبي داود -عليه السلام- كان يعمل بالحديد، ويصنع منه الدروع، والنبي سليمان -عليه السلام- كان يعمل بالنحاس فصنع منه تماثيل مشروعة وقِدر وأحواض للمياه ومحاريب، والنبي زكريا وعيسى -عليهما السلام- عمِلا بالنجارة، وختامًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل برعي الأغنام، وعمل بالتجارة.[١٣]

المراجع

  1. محمد ابو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، دمشق: دار القلم، صفحة 209. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعد المرصفي، الجامع الصحيح للسيرة النبوية، صفحة 483-484. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي ، صفحة 216-220. بتصرّف.
  5. محمد ابو زهرة ، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  6. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 50-51. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 29.
  8. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن ابي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1782 ، صحيح لغيره.
  9. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 375/19، صحيح.
  10. سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17. بتصرّف.
  11. محمد ابو زهرة، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 126. بتصرّف.
  12. سورة الانعام، آية: 89.
  13. ^ أ ب ت ث احمد الطويل (2009)، اتقاء الحرام والشبهات في طلب الرزق، الرياض: كنوز اشبيليا، صفحة 63-66. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 38.
  15. سورة يوسف، آية: 55.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى