صيام شهر محرم

'); }

شهر مُحرّم

شهر مُحرَّم هو الشهر الأوّل من الأشهر العربية، وهو أحد الأشهر الحُرم الأربعة التي ذكرها الله في قَوْله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)،[١] وقد ذكره النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أيضاً في بيانه للأشهر الحُرم فيما أخرجه الإمام البخاريّ عن أبي بُكرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ).[٢][٣]

وإنّما سُمِّي مُحرَّماً؛ زيادةً في تحريمه، خِلافاً لِما كان من العرب في الجاهليّة من استحلاله في سنةٍ، وتحريمه في سنةٍ أخرى؛ قال -تعالى- في النَّهي عن فِعْلهم: (إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادَةٌ فِي الكُفرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذينَ كَفَروا يُحِلّونَهُ عامًا وَيُحَرِّمونَهُ عامًا لِيُواطِئوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّـهُ فَيُحِلّوا ما حَرَّمَ اللَّـهُ زُيِّنَ لَهُم سوءُ أَعمالِهِم وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الكافِرينَ)،[٤] وقِيل إنّه سُمِّي مُحرَّماً؛ لأنّ الله -تعالى- حرّمَ الجنّة على إبليس فيه،[٥] والأشهر الحُرم لها مِيزةٌ على بقيّة الشهور؛ إذ يعظُم فيها الإثم، كما يعظُم فيها العمل الصالح أيضاً، وهي بذلك من مواسم الطاعات التي يجدر بالمسلم استغلالها.[٦]

'); }

صيام شهر مُحرّم وفَضْله

يُعَدّ شهر مُحرَّم من الأشهر الحُرم التي عظّمها الله -سبحانه-، وممّا اختُصّ به شهر مُحرَّم أيضاً فَضْلُ الصيام فيه؛ إذ إنّه أفضل الصيام بعد شهر رمضان، كما ثبت في الحديث الذي ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ)،[٧][٨] وأعظم أيّام شهر مُحرَّم يوم عاشوراء؛ وهو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى -عليه السلام- مع مَن آمن بدعوته، وأغرق فرعون وقومه، وهو اليوم العاشر من شهر مُحرَّم، فصامه موسى؛ شُكراً لله -سبحانه-، ثمّ صامه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وأمرَ بصيامه، وتحوّل عن الأمر بصيامه حين فرض الله -سبحانه- صيام شهر رمضان، فقد ثبت عنه أنّه قال: (إنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِن أَيَّامِ اللهِ، فمَن شَاءَ صَامَهُ وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ).[٩][١٠]

وقد بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ صيام يوم عاشوراء يُكفّر ذنوب سنةً كاملةً؛ إذ ورد أنّه قال: (وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَاشُورَاءَ؟ فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ)،[١١] ولا يُكرَه إفراد يوم عاشوراء بالصيام، إلّا أنّ الأفضل صيام اليوم التاسع معه؛ لِما أخرجه الإمام مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (حِينَ صَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ قالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ، حتَّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ).[١٢][١٠]

حُكم صيام شهر مُحرَّم كاملاً

لم يَرد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه صام شهر مُحرَّم كاملاً، فقد ورد أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- صام شهر رمضان فقط كاملاً، كما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (ما صَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غيرَ رَمَضَانَ. وَيَصُومُ حتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا واللَّهِ لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا واللَّهِ لا يَصُومُ)،[١٣] إلّا أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حَثّ على الإكثار من الصيام في شهر مُحرَّم، وبيَّنَ أنّ الصيام فيه أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان، وقد حمل عددٌ من العلماء تفضيل الصيام في شهر مُحرَّم على صيامه كاملاً، وحَمله البعض الآخر على الصيام منه وليس صيامه كاملاً، وعلى كلا الوَجهَين، فإنّ صيام مُحرَّم كلّه، أو بعضه، يُعَدّ من الأمور الحَسَنة، قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: “أفضل ما تطوّع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المُحرّم، وقد يحتمل أن يُراد: أنّه أفضل شهر تطوّع بصيامه كاملًا بعد رمضان”.[١٤][١٥]

تسمية شهر مُحرّم بشهر الله

سُمِّي شهر مُحرَّم بشهر الله؛ دلالةً على فَضْله ومنزلته؛ فقد اختصّه الله من بين الأشهر بإضافته إليه -سبحانه-، كما ثبت فيما أخرجه البخاريّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ)،[٧] والإضافة تدلّ على التعظيم والتفخيم، وقِيل إنّ تسمية شهر مُحرَّم ثبتت بالإسلام، ولم يُعرَف ذلك الاسم في الجاهليّة، بل إنّهم كانوا يُطلقون عليه اسم (صَفْر الأوّل)، بخِلاف بقيّة الأشهر التي لم تختلف أسماؤها.[١٦]

المراجع

  1. سورة التوبة، آية: 36.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة، الصفحة أو الرقم: 3167، صحيح.
  3. محمد المنجد، كتاب موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 3283، جزء 5. بتصرّف.
  4. سورة التوبة، آية: 37.
  5. معاذ العتيبي، “شهرُ اللهِ المحرَّم – مسائلٌ وأحكامٌ”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-5-2020. بتصرّف.
  6. موقع إمام المسجد (2015-04-20)، “اغتنموا الصيام في شهر محرم”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-5-2020. بتصرّف.
  7. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
  8. صديق خان (2003)، كتاب الدرر البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية (الطبعة الأولى)، الرياض: دَارُ ابن القيِّم للنشر والتوزيع، صفحة 31، جزء 2. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1126، صحيح.
  10. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، كتاب مقالات موقع الدرر السنية، صفحة 171-172، جزء 3. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1134، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1971، صحيح.
  14. “حكم صيام شهر المحرم كله”، www.islamweb.net، 5-12-2012، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2020. بتصرّف.
  15. “فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم”، www.islamqa.info، 07-03-2003، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2020. بتصرّف.
  16. سيد العفاني، كتاب نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، جدة: دار ماجد عسيري، صفحة 470. بتصرّف.
Exit mobile version