السيرة النبوية

دروس وعبر من الهجرة النبوية الشريفة

دروس وعبر من الهجرة النبوية

توجد الكثير من الدُروس والعبر المُستفادة من هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنها ما يأتي:[١][٢]

  • عناية الله -تعالى- بأنبيائه وأوليائه الصالحين: حيث إن الله -تعالى- أنقذ النبي -عليه الصلاة والسلام- من المُشركين بعد أن أحاطوا ببيته ليقتلوه، فخرج النبيّ وهو يقرأ عليهم قوله -تعالى- من سورة يس: (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)،[٣] ويضع حفنةً من التُراب على رأس أبي جهل ومن معه وهم لا يشعُرون.
  • الأخذ بالأسباب: حيث قام النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأخذ بهذا المبدأ مع كونه نبيٌّ مؤيّدٌ من الله -تعالى-، فمن هذه الأسباب: طلبه من أبي بكر -رضي الله عنه- تجهيز راحلتين للهجرة، وقد جاءه في ساعةٍ غير السّاعة المُعتادة التي يأتيه بها، ومن الأسباب التي اتّخذها النبيّ؛ ذهابه من طريقٍ غير الطريق المُعتادة للمدينة، واستئجاره رجلاً ليدُلّه على الطريق، وهو عبد الله بن أُريقط، وجعْل أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- تُحضّر لهما الطعام، وغير ذلك من الأسباب.
  • نُزول الطّمأنينة والسَّكينة من الله -تعالى- على قلب المؤمن في حال الشدّة: فبعد وقوف المُشركين عند باب الغار وخوف أبي بكر -رضي الله عنه- من رؤية المُشركين لهما، طمأنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد جاء ذلك في قول الله -تعالى-: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[٤]
  • اتّخاذ الصّاحب والرّفيق الصالح: امتثالاً لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا تُصاحِبْ إلا مؤمنًا، ولا يَأْكُلْ طعامَك إلا تَقِيٌّ)،[٥] فقد كان أبو بكرٍ -رضي الله عنه- يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الهجرة؛ ليكون من السابقين إليها، وإرضاءً لله ورسوله، فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنه يُريده رفيقاً له في الهجرة، فبكى أبو بكر -رضي الله عنه- من شدّة الفرح.
  • النّصر يحتاج إلى البذْل والتّضحية: فالنصر بحاجةٍ للتّضحية بالمال والنفس والوقت، كما ضحّى النبي -عليه الصلاة والسلام- في هجرته في سبيل الإسلام والدين.
  • التخطيط للهجرة: وظهر ذلك في وضع النبي -عليه الصلاة والسلام- الخُطّة المُتوقّعة للهجرة، واختار الرفيق المناسب، والمكان الآمن المؤقّت؛ للاختفاء عن المُشركين، وأمّن من يأتي له بالأخبار، وغير ذلك من سُبل التخطيط.[٦]
  • التوكّل على الله -تعالى- وزرع الأمل في نفوس الغير عند وقت الشدّة: حيث جسّد النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الخُلق عندما تبسّم في وجه أبي بكر -رضي الله عنه- حينما رأى المُشركين على باب الغار، كما وعَد النبي -عليه الصلاة والسلام- سُراقة بسواريّ كسرى.[٧]

أحداث الهجرة النبوية الشريفة

لمّا شاهد المُشركون النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وصحابته قد تجهّزوا للهجرة، بدأ القلق يُسيطر عليهم؛ لشعورهم بالخطر على أنفسهم وعلى اقتصادهم، ومعرفتهم بشخص النبي -صلى الله عليه وسلم- وتأثيره على الناس، وتأثير صحابته وقوّتهم، بالإضافة إلى موقع المدينة الاستراتيجيّ في التجارة بين اليمن والشام، فأصبح المشركون يبحثون عن السُّبل التي تمكّنهم من ردع النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الهجرة، فعقدوا اجتماعاً بدار الندوة في يوم الخميس في السنة الرابعة عشرة من البعثة، وكان في الاجتماع مُمثّلين من جميع قبائل قُريش؛ كأبي جهل، وجُبير بن مطعم، والنضر بن الحارث، وأميّة بن خلف، وغيرهم؛ لتدارُس الخُطط التي يُمكنهم من خلالها القضاء على النبي -عليه الصلاة والسلام- ودعوته، فاعترضهم إبليس على صورة رجلٍ كبير من أهل نجد ليُشاركهم اجتماعهم، فأدخلوه معهم، فكان من اقتراحات المشركين حبس النبيّ، وإغلاق الباب عليه، أو نفيه من البلاد، فقال لهم إبليس: إن ذلك ليس بالرأي الصائب.[٨]

فاقترح أبو جهل اختيار شُبّان من خيرة شباب قُريش، وإعطاء كُل واحدٍ منهم سيفاً؛ ليضربوا النبيّ ضربةً واحدة ويقتلوه؛ حتى يتفرّق دمه بين القبائل، فلا يقدر بنو عبد مناف حينها على حرب القبائل جميعاً، فأشار إبليس إلى أن ذلك نِعم الرأي، ووافقه جميع من كان في الاجتماع، وقد أيّد الله -سبحانه- رسوله الكريم بأن أنزل إليه جبريل -عليه السلام- فأخبر النبي بكلّ ما دار في ذلك الاجتماع، وأذِن له بالهجرة مع تحديد موعدٍ لها، وأمره أن لا يبيت في تلك الليلة على فراشه الذي كان ينام عليه، فذهب النبيّ إلى أبي بكر عند منتصف النهار؛ ليُبيّن له طريق الهجرة، وليكون صاحبه فيها، ثم رجع النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى بيته ينتظر اللّيل للخروج، وبقي كُفّار قُريشٍ في دار الندوة لتنفيذ خُطّتهم لقتل النبي -عليه الصلاة والسلام-، واختاروا أحد عشر رجلاً من أكابرهم، وفي الليل ذهبوا إلى بيت النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لينتظروا ميعاد نومه فيقضون عليه في فراشه، وقد ذكر الله -تعالى- هذه المؤامرة في كتابه الكريم، فقال -سبحانه-: (وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ أَو يَقتُلوكَ أَو يُخرِجوكَ وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيرُ الماكِرينَ).[٩][٨]

وفي يوم الخميس في السنة الثالثة والخمسين من مولد النبي -عليه الصلاة والسلام-، خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر -رضي الله عنه- للهجرة، ولم يعلم بخُروجهما إلا علي وآل أبو بكر -رضي الله عنهم-، وأعدّت عائشة وأسماء -رضي الله عنهما- الطّعام لهما، وقد توجّه النبي والصدّيق إلى غار ثور، ومكثا فيه ثلاث ليالٍ، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت معهم؛ ليأتي لهما بالأخبار، فقامت قُريش بالبحث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصاحبه في الطريق المُعتادة، ولكنّهم لم يجدوا شيئاً، فاتّجهوا باتّجاه اليمن، ووقفوا عند الغار الذي كانا فيه، فخاف أبو بكر -رضي الله عنه-، ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- طمأنه، ولما رجعت قُريش ولم يجدوا النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ قاموا بوضع جائزةٍ مالية لمن يعثر عليهما أو يأتي بأخبارهما، ولما انقطع الطلب عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصاحبه خرجا من الغار، وذهبا إلى المدينة من طريق البحر، ولكن سُراقة أدركهما وعثر عليهما، وكان كُلما اقترب منهما غارت أقدام فَرسه في الرمل، فأيقن أنه رسولٌ من عند الله -تعالى-، فطلب من النبيّ أن يعده بشيءٍ إن كَتَم خبر مكانهما ونَصَرَهما، فوعده النبيّ بلبس سواريّ كِسرى، فرجع وتظاهر أنه لم يجدهما، وقد وصل النبيّ وصاحبه الصدّيق إلى المدينة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، ولما رآهم النّاس فرحوا فرحاً شديداً، واستقبلوه بالولائم والأناشيد،[١٠] وبقي ركب النبي -عليه الصلاة والسلام- سائراً إلى أن وصل إلى قُباء، ولقي المؤمنين هناك، كما التقى بعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعد أن بقي بمكة ثلاث ليالٍ وردّ الأمانات لأصحابها.[١١]

أهمية الهجرة بالنسبة للمسلمين

كان الهدف من الهجرة إيجاد مكانٍ جديدٍ للدّعوة، وشعور المُسلمين بالأمن على أنفسهم ودينهم، وكان من أوائل الأعمال التي قام بها النبي -عليه الصلاة والسلام- لتحقيق هذه الأهداف ما يأتي:[١٢]

  • بناء المسجد؛ لتنظيم العلاقة بين العبد وربّه، ومكاناً لالتقاء المُسلمين، ومكاناً لتعليم أحكام الإسلام وعقد المجالس والاستشارات، وغير ذلك من أهمية المسجد في حياة المُسلم.
  • المؤاخاة بين المُهاجرين والأنصار؛ وذلك لتوطيد العلاقة بين أبناء المُجتمع المُسلم، وإزالة الشعور بالغُربة عند المُهاجرين.
  • إقامة مُعاهدةٍ لإزالة الحقد بين المُسلمين وما كانوا عليه من عداوةٍ في الجاهلية.

المراجع

  1. عبد الحي بن يوسف، دروس الشيخ عبد الحي يوسف، صفحة 4-6، جزء 4. بتصرّف.
  2. عبد الحي بن يوسف، دروس الشيخ عبد الحي يوسف، صفحة 1-6، جزء 5. بتصرّف.
  3. سورة يس، آية: 9.
  4. سورة التوبة، آية: 40.
  5. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 9789، صحيح.
  6. مناهج جامعة المدينة العالمية، أصول الدعوة وطرقها ، ماليزيا: جامعة المدينة العالمية، صفحة 162-163، جزء 1. بتصرّف.
  7. عائض بن عبد الله القرني، دروس الشيخ عائض القرني ، صفحة 5، جزء 94. بتصرّف.
  8. ^ أ ب صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم ، بيروت: دار الهلال، صفحة 143-147. بتصرّف.
  9. سورة الأنفال، آية: 30.
  10. مصطفى السباعي (1985)، السيرة النبوية – دروس وعبر (الطبعة الثامنة)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 62-64. بتصرّف.
  11. محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (1425 هـ)، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 465-466، جزء 1. بتصرّف.
  12. “الهجرة النبوية أبعادها وآثارها على المجتمع الناشئ “، www.ar.islamway.net، 5-10-2015، اطّلع عليه بتاريخ 30-9-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى