تعليم

جديد تطور الفكر التربوي

تطور الفكر التربوي

ان التربية السليمة لا تفيد الفرد فقط بل تفيد المجتمع بأكمله والتربية تكون بمعرفة الفرد ما هو الخير وتقديره إياه وهو ايضآ المنطق الأساسي لتكريس قيم الأصالة في المجتمع في ايطار مشروع حضاري متكامل .

وسنشرح هنا الفكر بالكامل :

وإذا كان الهدف الأساسي للفكر التربوي، هو ذلك المشروع الحضاري، فإنه يستند بالضرورة إلى عملية التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل من جهة، والتفاعل مع معطيات المجتمعات البشرية، على اختلاف نماذجها، زمنياً ومكانياً، من جهة أخرى. من هنا يبدو البحث في موضوع الفكر التربوي العربي، مرتبطاً بالبحث في مضامين الفكر التربوي العالمي، في ماضيه وحاضره، وفي اهتماماته وتطلعاته، وفي أساليبه وأغراضه، على أن ذلك الارتباط لا يعني بأي شكل، الالتزام بتوجهات تربوية تخالف طبيعة المجتمع العربي، أو تعد غريبة بالنسبة لأبنائه، وإنما تعني التفاعل مع ما أنتجته البشرية من نظريات تخدم التوجهات العامة للشعوب، وتقع في إطار الأنسنة، بحيث يتحول هذا التفاعل باتجاه تطوير النظريات المحلية، وتعميق علاقتها مع طموحات أبناء المجتمع.

يقول د، رضوان السيد في دراسة نشرها في مجلة الفكر العربي بعنوان (جدليات التجربة التربوية التاريخية) :

” تاريخ التجربة التربوية لأي أمة ـ ولأمتنا على الخصوص ـ هو تاريخ لجدليات علاقة الخاص بالعام في المجال الحضاري للأمة وثقافتها، والخاص في هذه الحالة هو مصالح وتفاصيل حياة الجماعات والفئات التي تشكل البنية الداخلية للأمة، والعام هو المنطق الداخلي الجامع للأمة في بُناها، الذي يشكل إطارها الأيديولوجي، أما العلاقة ـ من وجهة نظر العام ـ فهي علاقة شمول وجمع وضبط، والعلاقة ـ من وجهة نظر الخاص ـ هي علاقة ضغط على جوانب الإطار، ورغبة في التوافق في النهاية معه”.

حدد علماء القرن التاسع الميلادي في مجال التربية الاجتماعية مبادئ خمساً سمّوها بديهيات أو مسلمات رأوا أنها المرتكز في مجال عملية ضبط الفرد في قلب فئته الاجتماعية، وضبط الفئة في قلب الجماعة، وضبط الجماعة في قلب الأمة، إنها الحقوق الخمس: حق النفس، وحق العقل، وحق الدين، وحق العرض، وحق المال، والواضح أنه وإن كانت هذه الحقوق للأفراد في فئاتهم ومجتمعاتهم فإن مجتمعهم هو مجال ممارستها، حيث لا يمكن تصور هذه الحقوق إلا في إطار الجماعة، هكذا كانت التربية في المساجد والمدارس والدور همها التنشئة على الفهم الجماعي لهذه الحقوق.

من هنا كانت النظرة للفرد تنطلق من كونه عضواً في الجماعة، فإذا فهم الأمر على غير هذا النحو وقع في «سوء استعمال الحق»، إن المنطق الداخلي للتجربة العربية هو الذي يُحدِّد المفاهيم لهذه الحقوق، وهو منطق جمعي، ولكي لا يبدو الأمر نظرياً بحتاً يمكن استلاب حق العقل والدين للنظر إليهما من وجهتي النظر الجماعية الشاملة، والنخبوية الفردانية، كما بدتا في المجرى الواقعي لصراع الأفكار في الجماعة وعليها، فقد رأى أكثر فلاسفة الإسلام أن العقل جوهر فرد وارد على الجسد والفرد من خارج ومنفصل عنه طبيعة ومصيراً، وهو سلطان الجسد والفرد فقط، هذه وظيفته وهي التدبير، بينما رأى فقهاء ومحدثون أن العقل غريزة شائعة في الجسد والإنسان داخله في صراع الغرائز، ولا تدبر الإنسان بمفردها بل يفكر الإنسان ويتصرف بوحي من توازن يقوم بين غرائزه التي يمثل العقل جزءاً منها، وكان مردود ذلك على المستوى السياسي أن رأى الفلاسفة نخبوية فئتهم هم اجتماعياً وتفوقها وانفصالها عن المجتمع، ونخبوية السلطة في المجتمع وجبريتها وانفصالها عن الناس، في حين رأى الفقهاء شيوع العقل في المجتمع كشيوعه في الفرد، وشيوع السلطة في الجماعة كشيوع العقل في المجتمع، وفي المجال الديني فإن التجربة التاريخية للأمة اعترفت بالواقع الذي ظهرت فيه دون أن تستسلم له أو تسحقه، ورأت أن هذا الواقع الديني يمكن تطويره نحو الأفضل والأكثر وحدة، لكن أفراداً وفئات صغرى رأت ابتداع فرق جديدة اجتهاداً، ومع أن التجربة التربوية الإسلامية تعلّم الالتزام بحق الدين لكل فئة، فإن مبتدعي الفرق هؤلاء لاقوا ضغوطاً شديدة من جانب الجماعة على اختلاف مذاهب فئاتها للتخلي عن بدعهم، لا لأن الديانات القائمة كانت مهددة بالجديد الطارئ بل لأن الفردانية في فهم الحق كانت تهدد بضرب المنظومة كلها عن طريق زعم العقلانية والاستئثار بالحق ونفي الآخر، إن حق الدين ـ مستغلاً بطريقة فردية ـ فشل في إنتاج ديانات فأنتج فرقاً كان همها ضرب منظومة الجماعة لكي تتمكن هي من تثبيت أقدامها والاستمرار والسيطرة اجتماعياً.

وأنتجت التجربة التربوية العربية الإسلامية أدوات وقنوات لتربية فئاتها وناشئتها على البديهيات الخمس في إطار مبدئيات العدالة والمساواة والوحدة والرحابة، فكانت الكتاتيب والمساجد والجوامع والخانات والمدارس والأربطة والخوانق تعبيرات متنوعة عن الصيرورة المتجددة للناس والتاريخ والمصالح على أرض الإسلام، وكانت دعوات التربويين تتوسل طريقة لاستيعاب الحقوق الخمس هي (كما قيل عن كتب الجاحظ) تعليم العقل أولا والعلم ثانياً، وإذا ارتبط العقل بالروح العام للجماعة باعتبار غريزتها الشائعة فيها، والمكتنه لعمقها وثرائها ورحابتها، فإن العلم كان الاسترجاع المتجدد للتجربة التاريخية للجماعة، وبداياته هي التي تحدد مرماه ومعناه، كان يبدأ تحفظاً للقرآن وتعلماً للحديث والآثار فرواية للأخبار والشعر فيكتمل استرداد التجربة الجامعة في جوانبها الدينية والتاريخية والعقلية فيتفتح عضو الجماعة عليها من ناحية، وينضبط داخلها من ناحية أخرى، فإذا تمايز عضو في جماعة أو تمايزت فئة في مستقر فإن وحدوية التجربة، ووحدوية الاسترجاع، ووحدوية الفهم للحقوق، كل ذلك كان كفيلاً بأن يبقي التمايز في حدود، ويضبط حركيته، ويوضح علله، فيضعه على جادة الاستيعاب أو الجدل أو الضغط، وهكذا فإن الوحدوية التي تميز التجربة التربوية الإسلامية تضبط من ناحية، لكنها لاتحجر من ناحية أخرى لأنها تجربة في إطار صيرورة لحركية جماعة ضخمة من الناس، ولأن مبدئياتها الخمس تحول دون التجميد باسم الوحدوية.

وهنا تبدو جوانب التجربة التربوية التاريخية للجماعة في ثلاثة مواقع :

موقع وحدة التجربة من ناحية، وموقع تجددها في الإطار الشامل لصيرورة الأمة من ناحية ثانية، وموقع قدرتها على مواجهة الخارج المقتحم لرؤيتها الحضارية من ناحية أخيرة، وإذا كان لنا أن نحدد الملامح التربوية التي أنتجتها البشرية، في مختلف عصورها فإننا نشير إلى تصارع رؤيتين تربويتين : رؤيتنا التاريخية التي لخصها الإمام الغزالي بأنها عقل في شرع في جماعة، والرؤية الأخرى التي لخصها ماكس فيبر بوصفها فرداً يواجه آخر في فئة تواجه أخرى في مجتمع يواجه آخر من أجل السلطة والدولة والهيمنة على الداخل والخارج.

تطور الأفكار التربوية :

يرى عمر محمد الشيباني في كتابه (تطور النظريات والأفكار التربوية) في المجتمعات البدائية، عمليتين رئيسيتين للتربية، هما:

• الإعداد للحصول على ضرورات العيش وللتكيف مع علاقات القبيلة

• تدريب الفرد على عبادة الطواطم والأرواح، وهاتان العمليتان تتكاملان بما هما تلبية لحاجتي الجسد والروح.

ويرى الشيباني أن مفهوم التربية في الثقافات التاريخية الأولى لم يكن واحداً، ويستند في ذلك مفهوم التربية في الصين، كنموذج من الشرق ويرى فيه سلبياً محافظاً على ما هو كائن، ومتحفظاً تجاه أي اختراق يقوم به الفرد : «وتعتبر التربية الصينية عملية تلخيص للماضي، ترمي إلى أن تركز في الفرد حياة الماضي كي لا يتخلف عنه أو يتخطاه، وهي تعمل في كل مرحلة من مراحلها على أن تحدد للفرد ما يعمل وما يشعر به وما يفكر فيه، وهي ترسم له الطريقة المثلى التي يتم بها العمل وكيفية التعبير عن انفعالاته».

أما المفهوم التربوي في الثقافة اليونانية القديمة فهو أكثر حيوية، ذلك أن هذه الثقافة «تعتبر بحث الأصل للثقافات الغربية والثقافات المعاصرة بصورة عامة»، أما اسبرطة فقد تأثرت بظروف ولاية اسبرطة الجغرافية في ذلك العصر، فهي منطقة سهلية داخلية تحيط بها الجبال من كل جانب، وانعزالها هذا دفعها لإعداد جيش قوي ونقلها من مجتمع بدائي إلى ديكتاتورية عسكرية تعمم سلطة الدولة، ولذا فقد كان المثل الأعلى التربوي هو إعداد المحاربين والتركيز على التربية البدنية، وأما الشعر والموسيقى والأناشيد فهي وسائل لتقوية الإعداد العسكري وتعزيز الروح المعنوية، وينقد أرسطو في سياساته دولة اسبرطة ومثيلاتها فيقول: «إن معظم هذه الدول العسكرية تكون في مأمن مادامت في زمن الحرب، ولكنها تفشل حينما تحصل على إمبراطوريتها، فهي في هذه الحال تصبح مثل النصل غير المستعمل الذي يفقد حدته في زمن السلم، واللوم في هذا يقع على مشرِّعيهم الذين لم يعلموهم مطلقاً كيف يعيشون في زمن الحرب».

وعند الرومان، ورثة الحضارة اليونانية القديمة، أصبحت التربية «عملية مقصودة منظمة» ولعل من أهم أعلامها : كاتو (224 ـ 149 ق، م) وشيشرون (106 ـ 43 ق، م) وكوينتليان (35 ـ 95 م) وكان هدف هؤلاء هو إعداد المواطن الروماني ليكون أهلاً لهذه المواطنية في حياته العملية.

أما التربية المسيحية فتميزت في البدء بنظام رهباني صارم يشتمل على قدر من العلم والعمل اليدوي «وكانت تتبع كل دير تقريباً مدرسة تقبل الأطفال في سن العاشرة وتستمر الدراسة فيها لمدة ثماني سنوات، يتعلم التلاميذ أثناءها القراءة والكتابة وبعض المبادئ في النحو والمنطق والبلاغة والحساب والهندسة والفلك والموسيقى».

وما لبثت التربية المسيحية أن واجهت خطوتين تطوريتين: الأولى حركة لإحياء العلوم الأولى قام بها شارلمان وملوك جاءوا من بعده، واعتبرت الحركة «أن التعليم هو الوسيلة الوحيدة لتوحيد الشعب وتحسين أحواله، ومن أجل ذلك عقدت صلة قوية بين المعرفة الدينية الروحية والتعليم الحر»، والخطوة التطورية الثانية هي الحركة الكلامية المدرسية Scholasticism التي أعلت من شأن المنطق الأرسطي واعترفت بإمكانية التوفيق بين الدين والعلم، وإن جرى الخلاف في تقديم أحدهما على الآخر.

ولقد أثرت الحركة المدرسية في التربية مما ترتب عليه خروج المدرسة إلى كافة أطراف المجتمعات وفئاتها، وتوسعت المناهج «ولعل أهم وأعظم منجزات العصر الوسيط هو نشأة الجامعات الأوروبية وازدهارها، ومن أمهات هذه الجامعات الأوروبية جامعة بولونيا في إيطاليا، وجامعة باريس في فرنسا وجامعة أكسفورد في بريطانيا».

وفي القرن السابع عشر الذي تميز نصفه الأول بالحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، نمت المفاهيم التربوية وتطورت نحو نزعة مؤسساتية شمولية عبرت عنها الجمعيات المسيحية التعليمية، ومن أبرزها الجمعية اليسوعية التي كان قد أسسها انياس لوايولا في باريس عام 1534 وتطورت في القرن السابع عشر.

في القرن المذكور وُجدت مذاهب ثلاثة: الأول هو المذهب الإنساني الواقعي الذي نقد أتباعه النزعة الشيشيرونية، ورأوا أن الآداب الكلاسيكية ليست مطلوبة بحد ذاتها إنما هي وسيلة لكسب المعرفة، وبالتالي تحقيق إنماء الفرد، ومن أبرز أتباع هذه المذهب، الشاعر الإنكليزي جون ملتون الذي قال: «إني اعتبر التربية الكاملة الصالحة هي التي تعد الرجل لأداء جميع الأعمال، الخاص منه والعام بعدل وإحكام في أيام السلم والحرب»، وقد وضع ملتون منهجاً دراسياً قسم فيه مواد التدريس بحسب أعمار المتعلمين.

والمذهب الثاني هو المذهب الاجتماعي الواقعي الذي يرى التربية وسيلة لإعداد «الجنتلمان» أي الرجل المتعلم المهذب أي الناجح اجتماعياً، وقد ركز أتباع هذا المذهب على ضرورة الرحلات والأسفار استعداداً لحياة عملية سعيدة وناجحة.

أما المذهب الثالث فهو المذهب الحسي الواقعي الذي قدم بذوراً حقيقية للتربية الحديثة، وقام على احترام العلوم الطبيعية واستخدام المناهج العلمية للمعرفة، هذا المذهب يعتمد الوسيلة الحسية في الإدراك ويرى ضرورة تحقيق إنماء شامل للطفل، وأتباع المذهب هم أول من نادى بطريقة الاستقراء في عملية التعليم، وكان من أبرز مفكريه فرانسيس بيكون (1561 ـ 1626) الفيلسوف التجريبي الذي آمن بهدف عملي للمعرفة ورأى أن عدة عقبات تحول بين العقل البشري والمعرفة، ومن أبرزها: «أوهام القبيلة» وهي الإرث الجماعي القديم عند الفرد و «أوهام الكهف» وهي ميول الفرد الخاصة و«أوهام السوق» وهي تقاليد الجماعة وقصور وسائل الاتصال اللغوي و«أوهام المسرح» وهي العقبات العقيدية، ورأى بيكون أيضاً أن المنهج الاستقرائي التجريبي هو المنهج الناجع لدراسة الطبيعة والعلوم التجريبية.

وفي القرن السابع عشر برزت أيضاً نزعة التهذيب الشكلي في التربية، ويعتقد أصحاب هذه النزعة أن التربية هي وسيلة لتدريب الملكات النفسية وتهذيبها، وليست الذات الإنسانية سوى مجموعة من الملكات يجب تدريب كلٍّ منها على حدة باعتباره وحدة مستقلة.

وحفل القرن التاسع عشر بنظريات تربوية هامة، وأثر في تطور التربية إلى هذا الحد عوامل منها، جهود المفكرين السابقين وتطور الطرق العلمية بما يجعلها تشمل ميادين الدراسات النفسية والتربوية، والتوسع في مجالات التعليم مع الثورة الصناعية، والنظر إلى التربية باعتبارها وسيلة لإعداد المواطن الصالح.

ملخص

التربية السليمة مهمة جداً فإن لها تأثير ايجابي على الفرد والمجتمع ، كما ان التربية تعرف بأن يعلم الفرد بما هو الخير ويتقيد به ، بالاضافة الى انه المنطق لتكريس قيم الاصالة بالاخص في المجتمع ، كما انه مع تقدم الزمن والعصور وتتابع الازمان والاجيال اصبح هناك تطور في الفكر التربوي ، كما انه بدأ البحث في مضامين الفكر التربوي بالاضافة الى الاهتمام في الفكر التربوي وتطلعاته ، بالاضافة الى البحث في اساليب الفكر التربوي واغراضه ، كما ان في التربية الاجتماعية عدة مبادئ منها حق النفس ، وحق العقل ، بالاضافة الى حقوق اخرى ايضاً وهي حق العرض والمال والدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى