قرآن

أول سورة نزلت على الرسول

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول

أوّل سورةٍ نزلت كاملةً على الرسول

اختلف العلماء في تحديد أوّل سورةٍ نزلت كاملةً على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد رَجّح الإمام السيوطيّ -رحمه الله- في كتاب الإتقان أنّ سورة المُدَّثر كانت أوّل سُور القرآن نزولاً؛ إذ قال: “إنّه يُمكن الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا بأن تكون سورة المدثّر نزلت بكاملها قبل نزول سورة العلق، فإنّها أول ما نزل منها صدرها”، وقال القاضي أبو بكرٍ إنّ سورة الفاتحة كانت أوّل سورةٍ نزلت كاملةً؛ إذ قال: “وهذا الخبر منقطعٌ، وأثبت الأقاويل اقرأ باسم ربك، ويليه في القوّة يا أيّها المدثّر”، ويُمكن الجمع بين الأقوال باعتبار بداية سورة العلق أوّل الآيات نزولاً، وأنّ بداية سورة المُدثِّر أوّل ما نزل من أوامر التبليغ بالدعوة، أمّا سورة الفاتحة فهي أوّل السُّوَر نزولاً.[١]

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول في مكّة المُكرَّمة

نزل القرآن على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المُكرَّمة، وبدأ الوَحْي بنزول سورة العلق، وقال البعض من العلماء، ومنهم الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- إنّ سورة المُدثّر أوّل السُّور نزولاً، ويُجمَع بين القولَين باعتبار سورة العَلَق أوّل الوَحْي، ثمّ سورة المُدثّر التي نزلت بعد فتور الوَحْي فترةً من الزمن،[٢] ويُستدلّ على أنّ سورة العلق أوّل ما نزل من القرآن بالحديث الذي أخرجه الإمام البخاريّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (فَجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقْرَأْ، قالَ: ما أنا بقارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ (2) اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ}).[٣][٤]

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول في المدينة المُنوَّرة

كانت سورة البقرة أوّل السُّور القرآنيّة نزولاً على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المُنوَّرة،[٥] ومن الجدير بالذِّكر أنّ سورة البقرة من السُّور الطِّوال، وهي لم تنزل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دفعةً واحدةً؛ بل نزلت مُتفرّقةً، كما أنّ بعض آياتها نزل لسببٍ ما، أمّا بعضها الآخر فقد نزل دون سببٍ،[٦] وقد استمرّ نزول سورة البقرة طوال العهد المَدَنيّ،[٧] وبَيَّن الإمام ابن حجر في شرحه على البخاريّ أنّ سورة البقرة أوّل ما نزل على رسول الله في المدينة، أمّا تفسير النَّسفيّ عن الواقديّ فقد بَيَّن أنّ سورة القَدْر أوّل ما نزل،[٨] وقال كلٌّ من مُقاتل وابن عبّاس إنّ سورة المُطفِّفين أوّل سورةٍ نزلت في المدينة المُنوَّرة.[٩]

المَكّي والمَدنيّ من السُّور القرآنيّة

عاصر الصحابة -رضي الله عنهم- نزول القرآن الكريم على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ولذلك كانوا الأكثر علماً بالمكّي والمَدَنيّ من السُّوَر القرآنيّة، وقد سار التابعون على نَهجهم أيضاً، وتجدر الإشارة إلى أنّه لم يَرِد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ما يُحدّد المكّي والمَدنيّ من السُّور، وقال الإمام الباقلانيّ في ذلك: “إنّما يُرجع في معرفة المكيّ والمدنيّ لحفظ الصحابة والتابعين، ولم يرد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك قول؛ لأنّه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمّة وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يُعرف ذلك بغير نصٍّ من الرسول”،[١٠] والتفريق بين المكّي والمَدنيّ[١١] يُعتمَد فيه على الزمن؛ فما نزل قبل الهجرة فهو مكّي، حتى وإن نزل في غيرها من المَواضع، وما نزل بعد الهجرة فهو مَدنيٌّ، حتى وإن نزل في غيرها من المَواضع.

المراجع

  1. رقم الفتوى: 21660 (2002-8-28)، “أول سورة نزلت كاملة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-18. بتصرّف.
  2. أبو عبدالله مصطفى بن العدوى شلباية، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 10، جزء 78. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3، صحيح.
  4. مجموعة من الأساتذة والعلماء المتخصصين (1423 هـ – 2002 م)، الموسوعة القرآنية المتخصصة (الطبعة الأولى)، مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، صفحة 596، جزء 1. بتصرّف.
  5. مجدالدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (1416هـ – 1996م)، صائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (الطبعة الأولى)، مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – لجنة إحياء التراث الإسلامي، صفحة 99، جزء 1. بتصرّف.
  6. لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009 م)، فتاوى الشبكة الإسلامية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1154، جزء 2. بتصرّف.
  7. جنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009 م)، فتاوى الشبكة الإسلامية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1115، جزء 2. بتصرّف.
  8. جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 43. بتصرّف.
  9. أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 164، جزء 19. بتصرّف.
  10. فهد بن عبدالرحمن بن سليمان الرومي (1424هـ – 2003م )، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشرة)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 126. بتصرّف.
  11. محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، مصر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، صفحة 193-194، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول

أوّل سورةٍ نزلت كاملةً على الرسول

اختلف العلماء في تحديد أوّل سورةٍ نزلت كاملةً على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد رَجّح الإمام السيوطيّ -رحمه الله- في كتاب الإتقان أنّ سورة المُدَّثر كانت أوّل سُور القرآن نزولاً؛ إذ قال: “إنّه يُمكن الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا بأن تكون سورة المدثّر نزلت بكاملها قبل نزول سورة العلق، فإنّها أول ما نزل منها صدرها”، وقال القاضي أبو بكرٍ إنّ سورة الفاتحة كانت أوّل سورةٍ نزلت كاملةً؛ إذ قال: “وهذا الخبر منقطعٌ، وأثبت الأقاويل اقرأ باسم ربك، ويليه في القوّة يا أيّها المدثّر”، ويُمكن الجمع بين الأقوال باعتبار بداية سورة العلق أوّل الآيات نزولاً، وأنّ بداية سورة المُدثِّر أوّل ما نزل من أوامر التبليغ بالدعوة، أمّا سورة الفاتحة فهي أوّل السُّوَر نزولاً.[١]

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول في مكّة المُكرَّمة

نزل القرآن على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المُكرَّمة، وبدأ الوَحْي بنزول سورة العلق، وقال البعض من العلماء، ومنهم الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- إنّ سورة المُدثّر أوّل السُّور نزولاً، ويُجمَع بين القولَين باعتبار سورة العَلَق أوّل الوَحْي، ثمّ سورة المُدثّر التي نزلت بعد فتور الوَحْي فترةً من الزمن،[٢] ويُستدلّ على أنّ سورة العلق أوّل ما نزل من القرآن بالحديث الذي أخرجه الإمام البخاريّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (فَجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقْرَأْ، قالَ: ما أنا بقارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ (2) اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ}).[٣][٤]

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول في المدينة المُنوَّرة

كانت سورة البقرة أوّل السُّور القرآنيّة نزولاً على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المُنوَّرة،[٥] ومن الجدير بالذِّكر أنّ سورة البقرة من السُّور الطِّوال، وهي لم تنزل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دفعةً واحدةً؛ بل نزلت مُتفرّقةً، كما أنّ بعض آياتها نزل لسببٍ ما، أمّا بعضها الآخر فقد نزل دون سببٍ،[٦] وقد استمرّ نزول سورة البقرة طوال العهد المَدَنيّ،[٧] وبَيَّن الإمام ابن حجر في شرحه على البخاريّ أنّ سورة البقرة أوّل ما نزل على رسول الله في المدينة، أمّا تفسير النَّسفيّ عن الواقديّ فقد بَيَّن أنّ سورة القَدْر أوّل ما نزل،[٨] وقال كلٌّ من مُقاتل وابن عبّاس إنّ سورة المُطفِّفين أوّل سورةٍ نزلت في المدينة المُنوَّرة.[٩]

المَكّي والمَدنيّ من السُّور القرآنيّة

عاصر الصحابة -رضي الله عنهم- نزول القرآن الكريم على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ولذلك كانوا الأكثر علماً بالمكّي والمَدَنيّ من السُّوَر القرآنيّة، وقد سار التابعون على نَهجهم أيضاً، وتجدر الإشارة إلى أنّه لم يَرِد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ما يُحدّد المكّي والمَدنيّ من السُّور، وقال الإمام الباقلانيّ في ذلك: “إنّما يُرجع في معرفة المكيّ والمدنيّ لحفظ الصحابة والتابعين، ولم يرد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك قول؛ لأنّه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمّة وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يُعرف ذلك بغير نصٍّ من الرسول”،[١٠] والتفريق بين المكّي والمَدنيّ[١١] يُعتمَد فيه على الزمن؛ فما نزل قبل الهجرة فهو مكّي، حتى وإن نزل في غيرها من المَواضع، وما نزل بعد الهجرة فهو مَدنيٌّ، حتى وإن نزل في غيرها من المَواضع.

المراجع

  1. رقم الفتوى: 21660 (2002-8-28)، “أول سورة نزلت كاملة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-18. بتصرّف.
  2. أبو عبدالله مصطفى بن العدوى شلباية، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 10، جزء 78. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3، صحيح.
  4. مجموعة من الأساتذة والعلماء المتخصصين (1423 هـ – 2002 م)، الموسوعة القرآنية المتخصصة (الطبعة الأولى)، مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، صفحة 596، جزء 1. بتصرّف.
  5. مجدالدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (1416هـ – 1996م)، صائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (الطبعة الأولى)، مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – لجنة إحياء التراث الإسلامي، صفحة 99، جزء 1. بتصرّف.
  6. لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009 م)، فتاوى الشبكة الإسلامية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1154، جزء 2. بتصرّف.
  7. جنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009 م)، فتاوى الشبكة الإسلامية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1115، جزء 2. بتصرّف.
  8. جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 43. بتصرّف.
  9. أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 164، جزء 19. بتصرّف.
  10. فهد بن عبدالرحمن بن سليمان الرومي (1424هـ – 2003م )، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشرة)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 126. بتصرّف.
  11. محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، مصر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، صفحة 193-194، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول

أوّل سورةٍ نزلت كاملةً على الرسول

اختلف العلماء في تحديد أوّل سورةٍ نزلت كاملةً على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد رَجّح الإمام السيوطيّ -رحمه الله- في كتاب الإتقان أنّ سورة المُدَّثر كانت أوّل سُور القرآن نزولاً؛ إذ قال: “إنّه يُمكن الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا بأن تكون سورة المدثّر نزلت بكاملها قبل نزول سورة العلق، فإنّها أول ما نزل منها صدرها”، وقال القاضي أبو بكرٍ إنّ سورة الفاتحة كانت أوّل سورةٍ نزلت كاملةً؛ إذ قال: “وهذا الخبر منقطعٌ، وأثبت الأقاويل اقرأ باسم ربك، ويليه في القوّة يا أيّها المدثّر”، ويُمكن الجمع بين الأقوال باعتبار بداية سورة العلق أوّل الآيات نزولاً، وأنّ بداية سورة المُدثِّر أوّل ما نزل من أوامر التبليغ بالدعوة، أمّا سورة الفاتحة فهي أوّل السُّوَر نزولاً.[١]

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول في مكّة المُكرَّمة

نزل القرآن على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المُكرَّمة، وبدأ الوَحْي بنزول سورة العلق، وقال البعض من العلماء، ومنهم الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- إنّ سورة المُدثّر أوّل السُّور نزولاً، ويُجمَع بين القولَين باعتبار سورة العَلَق أوّل الوَحْي، ثمّ سورة المُدثّر التي نزلت بعد فتور الوَحْي فترةً من الزمن،[٢] ويُستدلّ على أنّ سورة العلق أوّل ما نزل من القرآن بالحديث الذي أخرجه الإمام البخاريّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (فَجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقْرَأْ، قالَ: ما أنا بقارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ (2) اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ}).[٣][٤]

أوّل سورةٍ نزلت على الرسول في المدينة المُنوَّرة

كانت سورة البقرة أوّل السُّور القرآنيّة نزولاً على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المُنوَّرة،[٥] ومن الجدير بالذِّكر أنّ سورة البقرة من السُّور الطِّوال، وهي لم تنزل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دفعةً واحدةً؛ بل نزلت مُتفرّقةً، كما أنّ بعض آياتها نزل لسببٍ ما، أمّا بعضها الآخر فقد نزل دون سببٍ،[٦] وقد استمرّ نزول سورة البقرة طوال العهد المَدَنيّ،[٧] وبَيَّن الإمام ابن حجر في شرحه على البخاريّ أنّ سورة البقرة أوّل ما نزل على رسول الله في المدينة، أمّا تفسير النَّسفيّ عن الواقديّ فقد بَيَّن أنّ سورة القَدْر أوّل ما نزل،[٨] وقال كلٌّ من مُقاتل وابن عبّاس إنّ سورة المُطفِّفين أوّل سورةٍ نزلت في المدينة المُنوَّرة.[٩]

المَكّي والمَدنيّ من السُّور القرآنيّة

عاصر الصحابة -رضي الله عنهم- نزول القرآن الكريم على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ولذلك كانوا الأكثر علماً بالمكّي والمَدَنيّ من السُّوَر القرآنيّة، وقد سار التابعون على نَهجهم أيضاً، وتجدر الإشارة إلى أنّه لم يَرِد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ما يُحدّد المكّي والمَدنيّ من السُّور، وقال الإمام الباقلانيّ في ذلك: “إنّما يُرجع في معرفة المكيّ والمدنيّ لحفظ الصحابة والتابعين، ولم يرد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك قول؛ لأنّه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمّة وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يُعرف ذلك بغير نصٍّ من الرسول”،[١٠] والتفريق بين المكّي والمَدنيّ[١١] يُعتمَد فيه على الزمن؛ فما نزل قبل الهجرة فهو مكّي، حتى وإن نزل في غيرها من المَواضع، وما نزل بعد الهجرة فهو مَدنيٌّ، حتى وإن نزل في غيرها من المَواضع.

المراجع

  1. رقم الفتوى: 21660 (2002-8-28)، “أول سورة نزلت كاملة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-18. بتصرّف.
  2. أبو عبدالله مصطفى بن العدوى شلباية، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 10، جزء 78. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3، صحيح.
  4. مجموعة من الأساتذة والعلماء المتخصصين (1423 هـ – 2002 م)، الموسوعة القرآنية المتخصصة (الطبعة الأولى)، مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، صفحة 596، جزء 1. بتصرّف.
  5. مجدالدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (1416هـ – 1996م)، صائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (الطبعة الأولى)، مصر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – لجنة إحياء التراث الإسلامي، صفحة 99، جزء 1. بتصرّف.
  6. لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009 م)، فتاوى الشبكة الإسلامية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1154، جزء 2. بتصرّف.
  7. جنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009 م)، فتاوى الشبكة الإسلامية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1115، جزء 2. بتصرّف.
  8. جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 43. بتصرّف.
  9. أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 164، جزء 19. بتصرّف.
  10. فهد بن عبدالرحمن بن سليمان الرومي (1424هـ – 2003م )، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشرة)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 126. بتصرّف.
  11. محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، مصر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، صفحة 193-194، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى