السيرة النبوية

أسباب هجرة الرسول إلى المدينة المنورة

أسباب هجرة النّبي إلى المدينة المنورة

أذِن الله -تعالى- للنَّبي -صلى الله عليه وسلَّم- وصحابته الكرام بالهجرة من مكة المُكرَّمة إلى المدينة المنورة لعدة أسباب، كان من أبرزها:[١]:[٢]

  • ما قام به المشركين في مكة المكرمة من إيذاء النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصحابته الكرام، ومحاولة منع انتشار الإسلام، بتعذيب من يدخله من المُسلمين، حتّى وصل بهم الأمر إلى محاولة قتل النبي -صلى الله عليه وسلَّم- فكانت الهجرة فرصةً في الخلاص من بطش الأعداء.
  • تحقيق مقصد الشريعة المُتمَثِّل بتحقيق حفظ النفس، وكان ذلك بعد سنين من مجاهدة النفس والصّبر على أذى مشركي قريش قبل مجيء الإذْن بالهجرة.[٣]
  • التقاء النّبي -صلََََّى الله عليه وسلّم- بأهل يثرب في بيعة العقبة الأُولى والثانية، فكان منهم أن عاهدوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على نُصرته وحمايته، مما جعل من المدينة مكاناً ملائماً للهجرة إليها.[٤]
  • دخول الإسلام في مرحلة التطبيق، التي تهدف إلى تحويل الإسلام إلى الواقع التطبيقي المُعاش، وتحقيق الأمان للمُسلمين، بعد السنوات التي عانوا فيها من الظُلم والحصار، فكانت في المدينة السرايا والغزوات الساعية لفرض وجود الإسلام واستقلاليته.
  • كان بالهجرة الخروج من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التّمكين؛ لتحقيق أهداف الدعوة الإسلامية، ودخول الناس في دين الإسلام أفواجاً بعد تمكُّن المُسلمين من دعوة جميع الناس، ومن ذلك إرسال الرسائل إلى ملوك المناطق المجاورة للمسلمين كالمقوقس عظيم القبط، والنجاشي ملك الحبشة.

أحداث وقعت للتمهيد للهجرة

بيعتا العقبة

تميَّزت بيعة العقبة الأُولى بعدة مزايا، فقد كان الجُهد فيها مكرَّس؛ لبناء العقيدة الواضحة السليمة في قلوب المؤمنين، وجعلهم يتّصفون بالأخلاق الحسنة، فلا سرقة ولا قتل ولا زنى في أُمّة تسعى إلى الارتقاء بأتباعها إلى أعلى مُستوى، ولا شك أنَّ هذا يتطَّلب الكثير من الصَّبر والمُجاهدة، وصلاح كل فرد في الإسلام هو صلاحٌ للإسلام، ورفعة له، وعُرفت البيعة الأُولى ببيعة النِّساء، ولم تشتمل على الجهاد واقتصرت على إصلاح الأفراد وسلامة عقيدتهم، أمَّا البيعة الثانية فقد عُرفت ببيعة الجهاد والحرب لأن البنود التي فيها نفس بنود البيعة الأولى بإضافة ما يتعلق بنُصرة النبي والدّفاع عن الدين.[٥]

بيعة العقبة الأولى

التقى النبي -صلى الله عليه وسلّم- بوفدٍ قَدم من قبيلة الخزرج، وفي العام التالي لهذه الحادثة كانت بيعة العقبة الأُولى التي بايع فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- عشرة رجال من قبيلة الخزرج واثنان من قبيلة الأوس، وهذا إن دل فإنَّه يدل على أن الرجال الذين التقاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي سبق البيعة الأولى عادوا إلى قومهم بالدّعوة كانوا على قدر من الهمة والنشاط الدعوي الذي مكَّنَهم من دعوة رجال من قبيلتهم ومن قبيلة الأوس الأمر الذي غرس أول بذور الأُلفة بين القبيلتين، وقد انفرد الصحابي عبادة بن الصامت الخزرجي بنقل أحداث البيعة، وقد كان أحد المُشاركين فيها، وقد كانت بنود البيعة التي نقلها: عدم الشرك، وعدم السرقة، وعدم الزنى، وعدم قتل الأبناء، وعدم الإتيان ببُهتانٍ مُفترى، وعدم عصيان النبي -صلى الله عليه وسلَّم- ففي معروف يأمرُهم به، فإن هم فعلوا ذلك كان جزاؤهم من الله الجنَّة، وإن لم يفعلوا كان أمرُهم متروكٌ لله -تعالى- إن شاء غفر ورَحم، وإن شاء عذَّبَّهم بما كان منهم من العصيان، وفي ذلك الوقت لم يُشرِّع الله العقوبة على الذنوب بالحدود، ولمَّا تمَّ أمرُ البيعة وعاد الرجال إلى المدينة.[٦]

سفير الاسلام

كان من حكمة النبي -صلى الله عليه وسلَّم- أن بعث إلى المدينة المنورة صحابياً يتولى تعليم من دخل الإسلام من أهلها، ويتلوا عليهم آيات القرآن الكريم، لحين لحاق النبي بهم إلى المدينة، وقد وقع الخيار على مُصعب بن عمير ليكون سفيراً للإسلام، ومُمثلاً له ومُعلماً ومُثبِّتاً للصحابة الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام، فأدَّى ما أُمر به على أتمِّ وجه، وقبل البيعة الثانية أتمَّ مُهِمَّته وعاد إلى مكة المكرّمة مُحملَّاً بالبشائر للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأنَّ المُسلمين في المدينة قد تضاعف عددهم، وأقبلوا على حمل الرِّسالة، وأنَّهم سيأتون مكة مبايعين على الإيمان بالله، والتضحية في سبيل إعلاء كلمة التوحيد.[٧]

بيعة العقبة الثانية

تضاعف عدد الوافدين في بيعة العقبة الثانية إلى ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين من قبيلتي الأوس والخزرج، وكان ذلك بعد عام من بيعة العقبة الأُولى، وكانت بنود البيعة مُطابقة لبنود البيعة الأولى، بالإضافة إلى حماية النبي -صلى الله عليه وسلَّم- مما يحمونَ منه نساءهم وأبناءهم، وتُعد هذه البيعة حدثاً هامّاً؛ فقد كان للمُسلمين من خلالها أرض آمنة يُمكنهم من خلالها الانطلاق للدعوة، فكانت الهجرة للمدينة المنورة[٨] وسُمِّيت ببعية العقبة الكبرى بذلك؛ لما كان لها من الأثر الكبير على الدعوة الإسلامية، وما أسفر عنها إشاعة الألفة بين أهل يثرب، ولم تكن هذه المشاعر لحظية، بل كانت نابعة من الإيمان الذي ترِّسخ بالقلوب، وانعكس على سلوك المؤمنين بمنجزاتهم العظيمة التي سجَّلها التاريخ.[٩]

0

المدينة المنورة قبل الاسلام

كان غالبية سكان المدينة المنورة من اليهود، عُرِف منهم يهود بني قريظة، وبني قينُقاع، وبني النَّضير، ومن سكّانها أيضاً قبيلتي الأوس والخزرج، الذين قاموا بعقد اتِّفاق مع اليهود يضمن لكلا الطرفين حقوق الجوار، ويُوجِب عليهما احترام بنوده، إلّا أنَّ اليهود لمّا رأَوْا ما كان للقبيلتين من تحقيق الأرباح وتحصيل الأموال قاموا بنقض الاتفاق، فكانت الغَلبة للأوس والخزرج، وسادت بين الأوس والخزرج علاقة طيبة فيها الأُلفة والتعاون، حتى شاع الخِصام بينهم وتوالت بينهم الحروب والنزاعات وكان من أشهرها يوم بُعاث، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: “كانَ يَومُ بُعاث يوماً قدَّمه الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فقدِّم -رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقَد افترق ملؤهم وقُتلت أشرافهم، وجُرحوا، فقدَّمه الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في دُخولهم في الإسلام” ثمَّ أذِن الله -تعالى- للنور أن يملأ المدينة بدخول النبي -صلى الله عليه وسلَّم- إليها، فأشرقت المدينة وشاعت الأُلفة بين ساكنيها من الأوس والخزرج من جهة، وبين أهلها والمهاجرين إليها مع النبي من مكة من جهةٍ أخرى.[١٠]

المراجع

  1. أحمد غلوش (2004)، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد النبوي (الطبعة الاولى)، صفحة 62. بتصرّف.
  2. عبد المحسن القاسم (2017)، كتاب المدينة المنورة فضائلها، االمسجد النبوي، الحجرة النبوية (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 29. بتصرّف.
  3. عطية سالم، كتاب دروس الهجرة، صفحة 12، جزء 3. بتصرّف.
  4. محمد أبو شهبة (1427)، كتاب السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة (الطبعة الثامنة)، دمشق: دار القلم، صفحة 457-458، جزء 1. بتصرّف.
  5. راغب السرجاني، كتاب السيرة النبوية، صفحة 8، جزء 13. بتصرّف.
  6. أكرم العمري (1994)، كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (الطبعة السادسة)، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 197-198، جزء 1. بتصرّف.
  7. أحمد ابراهيم عبد الغني، كتاب من وحي المدينة المنورة (الطبعة الثانية)، صفحة 38-39. بتصرّف.
  8. عدد من المُختصين باشراف صالح بن حميد، كتاب نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، جدة: دار االوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 253، جزء 1. بتصرّف.
  9. صفي الرحمن المباركفوري (1427)، الرحيق المختوم مع زيادات (الطبعة الاولى)، دمشق: دار العصماء، صفحة 98. بتصرّف.
  10. عبد المحسن القاسم (1439)، المدينة المنورة فضائلها، المسجد النبوي، الحجرة النبوية (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 24. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى